المسلمين فيما ذكرناه من قوة التمكين في مثل هذه المدة اليسيرة، ولم يحصل لهم ما حصل لهم، ولا ما قاربه، ولم يدع أحد منهم أن ذلك عن أمر الله له بذلك، ولم يشرع شريعة يحمل الناس عليها مدعيا أنها من عند الله.
فإن سنة الله في المتنبئين الكذبة على الله أن يهتك أستارهم، ويظهر للخلائق عارهم، ويهزم أنصارهم، ويدمر ديارهم. كما جرى لمسيلمة والأسود وطليحة وأضرابهم من الكذبة. فإن الله أظهر لخلقه من الدلالة على صدق رسله - بما جرى لهم وما عرف من أحوالهم وسيرهم الباطلة، وتدمير الله إياهم - ما هو من الحكم الباهرة والمصالح العظيمة، فإن الضد يظهر حسنه الضد.
وكذلك من سبر أحوال ملوك الكفار رأى العبرة في هذا الباب. فإنهم وإن انتصروا على أتباع الرسل - أحيانا - فإن أولئك لا يقول مطاعهم: إنه نبي. ولا يقاتلون أتباع الأنبياء على دين، ولا يطالبون منهم أن يتبعوهم على دينهم، بل يصرحون: إنا نصرنا عليكم بذنوبكم، وإنكم لو اتبعتم دينكم لم ننصر عليكم.
وأيضا فلا عاقبة لهم، بل الله يهلك الظالم بالظالم، ثم يهلك الظالمين جميعا.