ولا ريب عند الموافق والمخالف، أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - جاء بشرع الجهاد، وتضمن الأمر به القرآن الذي أنزل عليه. وإنما شرع في المدينة بعد الهجرة إلى المدينة حين اجتمع بها المهاجرون والأنصار.
وعند ذلك علم أعداؤه من العرب واليهود أنها كانت لهم دار منعة، فخافوا منهم ما كانوا يحذرون، فرموهم عن قوس واحد، وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة، وصاحوا بهم من كل جانب، وكان الله يأمرهم بالصبر والعفو والصفح.
ثم إنه - تعالى - بحكمته أذن لهم في القتال، ولم يفرضه عليهم، فقال - تعالى -: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} .... .
ثم فرض عليهم القتال لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم، فقال - تعالى -: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} ... .
ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة، فقال - تعالى -: ... {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} .
فكان محرما، ثم مأذونا فيه، ثم مأمورا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورا به لجميع المشركين.
وإذ كان القتال عن أمر الله وشرعه، كان القيام به من أكبر