وأيضا فالنفس إذا استغرقت في اللذات الجسمانية غفلت عن ذكر الله، ومالت إلى العاجلة.
ومن الدليل على قبح الخمر وخساستها أن عقل الإنسان أشرف صفاته، والخمر عدو للعقل ومفسد له، وذلك أن الإنسان إذا دعاه طبعه إلى فعل القبيح كان عقله مانعا له من الإقدام عليه، فإذا شرب الخمر بقي الطبع الداعي إلى فعل القبائح خاليا عن العقل المانع منها.
ولهذا امتنع من شربها جماعة في الجاهلية صيانة لعقولهم. قيل للعباس بن مرداس - في الجاهلية -: لم لا تشرب الخمر، فإنها تزيد في جراءتك؟ فقال: ما كنت لآخذ الجهل بيدي، فأدخله جوفي. ولا أرضى أن أصبح سيد قومي، فأمسي سفيههم.
وأيضا فإن من خواص الخمر - كما قال بعض العلماء - أن الإنسان كلما كان اشتغاله بها أكثر، ومواظبته عليها أتم كان الميل إليها أكثر، وقوة الإقدام عليها أوفر. بخلاف سائر المعاصي كالزنا مثلا، فإنه إذا واقعه مرة واحدة قلت رغبته فيه، وكلما كثر فعله لذلك العمل كان فتوره عنه أكثر.
بخلاف الشرب فإنه كلما كان إقدامه عليه أكثر كان نشاطه إليه أكثر، ورغبته فيه أتم.