وكذلك ما حرمته التوراة من المطاعم والمناكح وغيرها، لو كان حراما لعينه وذاته لكان حراما على كل نبي وفي كل شريعة.
والأدلة على هذا كثيرة جدا، وهي تبطل شبهة أمة الغضب في دعوى عدم النسخ، ليس هذا موضع بسطها، لأن ذلك ليس من غرضنا في هذا الكتاب، إذ الكلام فيه مع الأمة الضالة، وهم يوافقوننا على جواز وقوع النسخ في الشرائع.
فإذا كان الرب - تعالى - لا حجر عليه، بل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويبتلي عباده بما شاء، ويحكم ولا يحكم عليه، وينسخ من أمره ما يشاء ويثبت، لا معقب لحكمه، فما الذي يحيل عليه أن ينزل شريعة بعد شريعة المسيح تكون أكمل منها وأفضل؟ !.
وهل هذا إلا ما ادعته اليهود؟ فإن كان ذلك صحيحا، وأنه يمتنع أن يؤتى بشريعة بعد شريعة المسيح لزم منه صحة دعوى اليهود، إذ لا فرق، فعاد الطعن في نبوة المسيح.
وإذا كانت دعوى اليهود واضحة البطلاان فدعوى هذا الضال أبطل وأبطل.
قال بعض العلماء:" وحكمة النسخ فيما يجوز نسخه وتبديله أن الأعمال البدنية إذا واظب عليها الخلف عن السلف صارت كالعادة، وظن أنها مطلوبة لذاتها، فيمتنع الوصول بها إلى ما هو المقصود من معرفة الله وتمجيده، بخلاف ما إذا تغيرت تلك الطرائق ".