للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اليوم ضروبًا من الغزو الفكري، والعدوان المادي والحرب النفسية، وكثيرًا من التحديات المعاصرة-: "ما أشبه الليلة بالبارحة! ".

لقد كان الإسلام من أول عهده هدفًا لهجمات عنيفة قاسية لا تحتملها ديانة من الديانات، هجمات على قلبه وأعصابه لا تعرف الهوادة ولا الرفق ولا ترضى إلا بالفناء. إن الديانات التي فتحت في عصرها الدنيا، وأخضعت الأمم والحضارات قد ذابت وتحللت أمام هجمات أضعف منها بكثير، وفقدت شخصيتها وكيانها، ولكن الإسلام -بالعكس من ذلك- رد هذه الهجمات كلها على أعقابها وكسرها، وظل محافظًا على قوته وشخصيته وعلى مزاياه وروحه.

لقد كانت الباطنية بفروعها ومذاهبها المتنوعة خطرًا على روح الإسلام النقية وعقائده الصافية الواضحة، تتهدد وضع الإسلام الحقيقي، وكذلك كانت الغارة الصليبية، ثم هجوم التتار -ذلك الجراد المنتشر- صاعقة نزلت على الإسلام والأمة الإسلامية، وكانت جديرة بأن تقضي على الإسلام وتقصيه من ميدان الحياة ومصاف الأمم الحية، فلو كان غير الإسلام من الديانات للفظ نفسه الأخير وأصبح أسطورة من الأساطير.

ولكن الإسلام تحمل كل هذه الصدمات وكل هذه الصواعق، واستطاع أن يعيش رغم كل ذلك وهو يشق طريقه بقوة ويفتح كل يوم -في كل ميدان من ميادين الحياة - فتحًا جديدًا.

لقد مُنِيَ عبر تاريخه المديد بما لا حصر له من المؤامرات والدسائس، والتحدي الداخلي والخارجي لمبادئه وأحكامه ودولته ونظامه، وكان -أكثر من مرة- عرضة لتحريفات الغلو في الدين، وتأويلات أهل الجهالة والهوى، وانتحال أهل الفساد والباطل، وتسربت إليه البدع والضلالات والتقاليد الجاهلية والأفكار الوثنية، وهاجمته

<<  <   >  >>