أ- لقيت دعوة الإسلام التي جاءت بمنهج الحق والخير للبشر جميعا من المجتمع الجاهلي الذي عملت على تحريره وتطهيره، وإنقاذه من الضلال والفساد، ما لا بد أن يلقاه الحق الذي يواجه الباطل من معارضة واستهتار، وعناد واستكبار، كانت أوضاعه المعوجة الشوهاء التي أقامتها الوثنية وعمقتها العصبية، أكثف حجاب مظلم بين المشركين وبين الإيمان.
هذا موقف المشركين، أما اليهود الذين كانوا يعايشون المسلمين في المدينة بعد الهجرة إليها، فقد كان موقفهم من الإسلام أشد كفرًا وأبعد مكرًا، فقد كفروا بالحق الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة، حين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يجدون البشارة به فيما يتلون من كتاب، لقد عزّ عليهم -حسدًا وبغيًا- أن يكون النبي الذي كانوا يقولون للعرب: قد أظلنا زمانه من غير اليهود، وساءهم أن ينزل القرآن بلسان عربي مبين، كانوا يعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي ينتظرون، وأن ما أنزل عليه من الآيات هدى وحق ونور، ولكن غلبت عليهم شقوتهم المتأصلة فيهم، فلم يخرجوا عن أن يكونوا حلقة جديدة في سلسلة الشر والكفر والمكر، سلسلة الضلال والحقد والعدوان الذي عرف به اليهود في أحقاب التاريخ، لم يكفهم أن يكفروا وكل ما حولهم يبعث على الهداية والإيمان، بل اندفعوا -بكل ما عرف عنهم من نوازع الشر وحبائل المكر- يَصُدُّون الناس عن دين الله، ويعملون على إيقاد نار الفتن، وإثارة عوامل الفرقة، وقطع روابط الألفة، وهدم قيم الحق والخير، يبغون -وهم أهل العوج والانحراف- أن يعم الفساد، وتسود البغضاء، وتنتشر الفتن، ويبعد البشر عن سبيل الاستقامة والرشاد.
لقد كان هدف هؤلاء الأعداء الحاقدين أن يردوا المؤمنين إلى الكفر بعد