ج- أما العصر العباسي الثالث:"فقد ضعف فيه سلاطين السلاجقة وأخذت دولتهم في الانحلال والتفكك فقام بها حكام كثيرون عرفوا بالشاهات والأتابك. استقل كل منهم بجزء من مملكة السلاجقة، فانتهز الخليفة هذه الفرصة وأعلن استقلاله ببغداد وما حولها، وظل الخليفة ومن بعده أولاده يستمتعون باستقلال كامل في هذه المنطقة الصغيرة حتى دهم التتار العالم الإسلامي وهدموا بغداد وقتلوا الخليفة، وأنهوا خلافة بني العباس سنة ٦٥٦هـ"١.
ومما يسجل في العصر العباسي جملة أن الانحراف فيه أخذ جانبين هما:
١- الانحراف الفكري بدخول بعض المفاهيم الغربية على الفكر الإسلامي مما أدى إلى شيوع حركة الزندقة الناتجة عن رواسب الفلسفات النظرية التجريدية لدى اليونان والفرس والهند.
٢- استشراء الفساد الخلقي وشيوع الترف والانصراف عن الجد في قصور الخلفاء والأمراء وانعكاس ذلك على المجتمع وبروز آثاره في جوانب من أدب هذا العصر. ولكنه -على أية حال- ظل انعكاسًا ضئيلًا بدليل انتشار الحركة العلمية ونمو الدعوة الإسلامية، وامتداد حركة الفتح -وبخاصة في المشرق- على الرغم مما وقع في أواخر هذا العصر من ضعف الدولة وتجزئة كيانها السياسي الذي أدى إلى سقوطها.
على أن مما ينبغي الاهتمام به والالتفات إليه في العصر التركي -في صدد تقويمه تقويمًا صحيحًا -ما تحقق للمسلمين خلاله من مجد حربي، ويعود سببه إلى قوة العقيدة، وتحرك القيادة على أساس منها، كما في "عين جالوت" التي هزم فيها التتار، و"حطين" التي هُزِم فيها الصليبيون. على أنه مما يلاحظ هنا أنه كان هنالك ضعف في الحركة العلمية، ومظاهر