للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ونقطة البداية في نشوء هذه المذاهب الفكرية في أوروبا والفاصلة في تاريخها كانت في النهضة العلمية والفكرية التي تولدت باتصال أهل أوربا بالحضارة الإسلامية عن طريق الأندلس وصقلية. وترجمة كتب العلوم والفلسفة إليها. وكانت خسارة البشرية هنا بالضبط في أنهم أخذوا الجانب العقلي والمادي من حضارة المسلمين ولم يأخذوا الجانب العقائدي والروحي الخلقي"١.

ومن العجيب حقًّا أن هذه المذاهب الفكرية التي تقوم على اتخاذ العقل وحده أساسًا للحكم على الحقائق كلها الحسية منها والغيبية لم تظل في أوروبا وحدها على الرغم من كل نقائصها الفاضحة، بل كانت في محورها الجوهري المادي، وما برزت من وجوه فكرية وسياسية واقتصادية وأخلاقية وتربوية أول المذاهب الفاسدة اتصالاً بالشعوب الإسلامية وتأثيرًا فيها، وغزوًا للطبقة المثقفة ولقادة الفكر والسياسة في عدد من البلاد الإسلامية، وذلك عن طريق انتقال الثقافة الفرنسية إلى الدولة العثمانية وللمغرب، وإلى مصر في عهد محمد علي، وعن طريق الثقافة الإنكليزية في الهند ومصر والسودان، فقد غزا هذا التيار الشعوب الإسلامية التي كانت قد تردت في دركات التخلف بسبب تشويهها للإسلام، وابتعادها عن كثير من تعاليمه، وعن وعي أهدافه ومقاصده، فتسلل المذهب العقلي العلماني والمادي التجريبي إلى عقول الطبقة المثقفة، والمذهب الوطني الديمقراطي العلماني إلى الطبقة السياسية الحاكمة، وكانت النتيجة إقصاء الإسلام وعزله عن توجيه الحياة الفكرية والثقافية، وإقصاؤه كذلك عن توجيه الحياة السياسية في مفاهيمها وقيمها، وفي اتجاهاتها ومواقفها في الأحداث الداخلية والدولية وفي تشريعاتها ونظمها٢.

من باعث الحقد والتعصب، ونحو هذا الهدف الخطير في إضعاف الإسلام


١ محمد المبارك: "المجتمع الإسلامي المعاصر" ص١٠٩.
٢ انظر المرجع السابق ١٠٩-١١٣.

<<  <   >  >>