للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم في النهاية على الكنيسة. إن هذا الصراع وهذا الانتصار، وما أعقبه بعد ذلك من اتجاهات جديدة في التاريخ السياسي والفكري، لا يعدو أن يكون حديثًا أوروبيًّا محضًا متعلقًا بطبيعة الكنيسة وسلطتها الكهنوتية، وتحكمها في تفسير المسيحية، وتحديدها لعقائدها، وإعطاء صفة القداسة لما قررته المجامع الكنسية من نصوص.

ولذا فإن الخطأ والظلم الفادحين اعتبار هذا الحدث في التاريخ الإنساني كله، فإن هذا يحمل في مدلوله تعميم الظاهرة على التاريخ الإسلامي، وينتهي إلى خطأ أخطر وظلم أكبر وهو: التسوية بين طبيعة المسيحية وطبيعة الإسلام، ثم الحكم عليهما بحكم واحد. ووجه الخطأ والظلم في هذا هو أن ذلك الصراع بين العلم والكنيسة في أوروبا، كان ظاهرة مَرَضِيَّةً خطيرة، قيدت الفكر وعاقت سير العلم، وأخرت النهضة، وأوقفت نمو الحضارة، ولكن لم يكن لهذه الظاهرة المرضية وجود في بنية المجتمع الإسلامي، الذي كان -في تلك الفترة الزمنية وقبلها- في أوج عافيته، منارًا لحرية الفكر، وانتشار العلم، وازدهار الحضارة، ومصدر عافيته دائمًا هو الإسلام، الذي يحض على العلم ويدعو إليه، ولا يعرف تاريخه هذا الصراع العجيب بين العلم والدين"١.

٣- إن دعوة المنهج الإسلامي إلى إعمال العقل بتوجيهه الدائم إلى التدبير والتفكير، في كل جوانب الكون والحياة، للتعرف على الحقائق بشمول وعمق؛ هو منهج العلم في أصدق أصوله، وأرسخ قواعده، فهو المنهج الذي يرفع من شأن البحث العلمي الذي يوصل إلى معرفة الحق، ويؤدي إلى الإذعان له، لما يقوم عليه العلم الصحيح من الحجة القوية، والبرهان المقنع، وليس يقبل في هذا المنهج الاعتماد على الظن


١ المسألة الاجتهادية بين الإسلام والنظم البشرية، للمؤلف ص٨٩.

<<  <   >  >>