للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحق، ويتسم بالحكمة والإقناع وباللين١، ولذلك فلا موطن في نفوس المسلمين لما يسمى "الحقد الديني"؛ لأن المبدأ الذي يحدد العلاقة بين جماعة المسلمين وبين مخالفيهم هو الذي يطلق عليه -بصفة عامة- اسم "التسامح" وقد تكون هذه التسمية أقل من الحقيقة؛ إذ نلاحظ أن الشعوب التي لا تعتنق الإسلام، وإنما تخضع سلميًّا لتشريعه ودولته لا تتمتع بمبدأ "التسامح" فحسب، بل إن الإسلام يأخذ على عاتقه أن يوفر لها الحريات الكاملة على قدم المساواة مع المسلمين أنفسهم على قاعدة: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" ولا يطلب الإسلام من هؤلاء إلا أن يقفوا منه موقف المسالمة، وعدم صَدِّ الناس عن دين الله، أو الإساءة إلى المسلمين أو إلحاق الضرر والأذى بهم.

وبهذا يتضح أن ما زعمه "جون سيمون" في كتابه "حرية الاعتقاد" من أن الحقد الديني لم يتوصل إلى تخفيفه إلا منذ قرن ونصف هو قول لا نصيب له من الصحة؛ لأن الإسلام -وقد جاء منذ أربعة عشر قرنًا- لا يعرف شيئًا من هذا الحقد الديني الذي يقول عنه "جون سيمون": "إن تاريخ العالم كله هو عبارة عن تاريخ الحقد الديني، وهذا الحقد الديني الذي هو أقدم من الحرية يتصاعد إلى أبعد عصور التاريخ"٣.

إن الإسلام يأبى أن يصبح الدين مفهومًا ضيقًا يتميز بالحقد والعداء، ويبعث على النزاع والشحناء، وينتهي إلى الفتن وسفك الدماء، ولهذا فإن التاريخ الإنساني لا يزال حتى يومنا هذا يقف موقف الإجلال والإكبار لأولئك الذين كانوا أمثلة فذة في التسامح والإحسان.

والأمثلة على التسامح وانتفاء ما يسمى الحقد الديني لا حصر لها في تاريخنا، وإن كان هذا الحقد الديني أبرز ظاهرة في تاريخ أوروبا على


١ انظر: "مدخل إلى القرآن الكريم" تأليف: الدكتور محمد عبد الله دراز ص٦٣.
٢ انظر: "روح الدين الإسلامي" تأليف: عفيف عبد الفتاح طبارة ص٢٨٠.

<<  <   >  >>