للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ربهم وسنة نبيهم، وفيها دلالة على أن المسلمين كانوا أول من وضع هذه القاعدة الأخلاقية الرفيعة موضع التطبيق، ثقة منهم بأن الوفاء بالعهد في ذاته قوة، فوق أنه عدالة وفضيلة، وهو دعامة أساسية من دعائم السلام. إن العهد في ذاته قوة، والتزامه قوة؛ لأن يؤمن فيه جانب الاعتداء، وأمن الاعتداء يثبت دعائم السلام، والسلام تطمئن فيه الشعوب وتستقر، ولذلك شبه القرآن الكريم من ينقض عهده بحال الحمقاء التي تغزل غزلها، فتحكمه وتقويه، ثم بعد ذلك تنقضه أنكاثًا أي: أجزاء صغيرة متفرقة مشعثة، وذكر أن النكث فيه زَلَل للقدم بعد ثبوتها؛ إذ أنها تثبت بالسلم الذي أوجده العهد، وفي السلم قوة وثبات، والنقض إزالة للأمن وللثبات المستمر والاطمئنان الدائم١. وذلك حيث يقول الله عز وجل:

{وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} ٢.

ويختم الآيات بقوله:

{وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ٣.

فهنا يحتم الإسلام الوفاء بالعهد وعدم نقضه، ويحذر من الخديعة والدَّخَل في المواثيق، بغية أن تكون أمة هي أربى من أمة، فهذا العذر الذي يعتذر به الساسة وهو "مصلحة الدولة" لا يعترف به الإسلام، ولا يراه مبررًا


١ انظر "الوحدة الإسلامية" تأليف: محمد زهرة ص٣٢٠.
٢ [النحل: ٩٢] .
٣ [النحل: ٩٤] .

<<  <   >  >>