للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للخديعة والدخل في العهود، ولا في نقض المعاهدات والمواثيق، ولم تكن قواعد الإسلام مثلاً نظرية، بل كانت سلوكًا عمليًا في حياة المسلمين وصلاتهم الدولية١.

٢- وهنا نتساءل في صدد الموازنة بين موقف الإسلام من هذه الفضيلة وبين موقف غيره، الذي اتسم بالغدر والخيانة ونقض العهود وهدر المواثيق: أين هذا كله مما فعله "ريتشارد قلب الأسد" الذي أمن حامية بيت المقدس من المسلمين على أنفسهم، وعاهدهم على أن يفي لهم بعهده شرط أن يفتحوا الأبواب ويسلموا أنفسهم.. ولما فعلوا ذلك قتلهم جميعًا، ثم أباح المدينة لجيوشه، فلبغ عدة من ذبحه الصليبيون من العجزة والنساء والأطفال سبعين ألفًا. ولكن صلاح الدين الأيوبي -وقد أشربت نفسه بتعاليم الإسلام- لما استعاد بيت المقدس من أيدي الصليبيين بعد ٩٠ سنة من مجزرة الغدر والخيانة ونقض العهد؛ لم يعاملهم بالمثل؛ إذ أنه لما سلمت له الحامية المسيحية أمنهم على حياتهم، وكانوا أكثر من مئة ألف، وسمح لهم بالخروج لقاء مبلغ قليل يدفعه المقتدرون منهم، وأعطاهم مهلة للخروج أربعين يومًا، وأطلق كثيرًا من فقرائهم بغير فدية. وأدى أخوه الملك العادل الفدية عن ألفي رجل منهم، وحين أشير عليه أن يأخذ من البطريرك الصليبي ما حمله من أموال طائلة من البِيَعِ والصخرة والقيامة، رفض ذلك وقال: "لا أغدر به، وفاء بقدر خير من غدر بغدر" وأبى أن يقابل صنيع "ريتشارد" بمثله، بل آسى جرحاهم ومرضاهم وأرسل بالأدوية والأزواد إلى "ريتشارد" نفسه، وأرسل مع الذي أجلاهم عن بيت المقدس، ورحلوا للحاق بقومهم مَن يحميهم، ويوصلهم إلى أماكن الصليبيين في "صور" و "صيدا" بأمان٢.


١ انظر: "نحو مجتمع إسلامي" تأليف: سيد قطب ص١٢٥.
٢ انظر: "من روائع حضارتنا" تأليف الدكتور مصطفى السباعي ص١٠٠.
وانظر: "مقارنات بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية" تأليف: علي علي منصور ص٦٠.

<<  <   >  >>