"إليوت": أن الثقافة ليست إلا تجسيمًا للدين، ورد بذلك على "أرنولد" الذي عد الثقافة أشمل من الدين١.
٤- من هذا التنوع والاختلاف في تحديد علاقة الثقافة بالمجتمع من ناحية، وبالدين من ناحية أخرى؛ يتضح أن تحديد هذه العلاقة في نطاق الدراسات الاجتماعية، وفي مفهوم الدين لدى هؤلاء الباحثين الغربيين لا بد أن ينتهي إلى ما انتهى إليه من تباين في الرأي، وتباعد في الاتجاه.. ويمكن أن نلاحظ هنا أمرين:
أ- إن الفكر الغربي بعامة ينظر إلى الدين على أنه قضية ميتافيزيقية تخص الفلسفة؛ كما يعد الدين ظاهرة اجتماعية، ويعالجه كما يعالج أي ظاهرة أخرى من ظواهر المجتمع ومؤسساته، ولا يرى مانعًا -إن لم يجد ذلك ضروريًا- من إخضاع الدين -من حيث كونه قضية فلسفية- للمفاهيم الفكرية الجديدة الناشئة من تطور الدراسات الفلسفية، غير آبهٍ لما ينجم عن ذلك من انهيار العقيدة، ودمار القيم، وضعف سلطان الوازع الديني على النفوس، وأوضاع الحياة.. كما يحرص هذا الفكر الغربي نفسه على أن يفصل الدين عن المجتمع وما يتصل به من نظم وأوضاع، ويحصره بالأمور الروحية فحسب. وعلى هذا فإن تفسير الباحثين الغربيين للثقافة، وتحديد علاقاتها بالمجتمع، من حيث كونها عنصرًا من عناصر تراثه، أو عاملًا من عوامل التغير فيه؛ لا يضع الدين حيث يجب أن يكون من حياة الإنسان باعتباره السلطان النازع الوازع، الذي يضمن تماسك المجتمع، واستقرار نظامه، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه، وبكونه خير ضمان لقيام التعامل بين الناس على قواعد العدالة والنصفة،
١ انظر: "وحدة الثقافة والتاريخ في الشعر الحديث" للدكتور أحمد محمد الحوفي ص٥