تعطي المجتمع ملامحه الصحيحة، وتضبط حركته السديدة، وترسم له وجهته الرشيدة؛ فإذا انعزلت الثقافة عن هذه القيم، ووقع الفصل التام بينهما؛ فإن نتائج ذلك إنما تنعكس على الثقافة والقيم والمجتمع معًا؛ فلا مناص للثقافة بسبب ذلك من الضمور، وللقيم من الخمود، وللمجتمع من الانحطاط؛ إذ لا يتصور أن تنمو الثقافة من غير رِِفْْدٍ يغذوها، أو تحيا القيم إذا لم تأخذ مجالها في التطبيق والواقع؛ أما المجتمع فلا بد أن تتفاقم مشكلاته، وتشتد أزماته، ويصبح عاجزًا عن التحرك المجدي، والإنتاج المثمر حتى تفترسه العلل، وتعصف به الأحداث، ويمزقه الضياع.
٤- ومن هنا كان لا بد من أن تأخذ ثقافة أي مجتمع معنى تفاعله الذي يؤكد مدى تقديره واعتزازه للقيم التي يؤمن بها؛ فكما يدل هذا التفاعل مع القيم -من ناحية أخرى- على مدى حرصه على ترسيخها وإغنائها، وجعلها مقياس ما يعمل على بلوغه من تقدم ورقي في كل جوانب الحياة؛ بحيث تكون هذه القيم معيار تقويمه للواقع الذي يحياه، فيحلل بوحي منها هذا الواقع وينقده، ويقر الصالح منه ويطرح الفاسد دون أن تسيطر عليه نزعة الحرص على الجديد إذا كان متصادمًا مع هذه القيم، أو الرغبة في الانفلات من القديم إذا كان منبثقًا عنها، أو غير متصادم معها؛ وبذلك يصوغ المجتمع صورة مسقبله المنشود، وفق ركائز من القيم الأصلية الثابتة، التي تعطيه طابعه المميز وسماته الفريدة.
٥- ولا بد لنا هنا من أن نلقي نظرة على قيمنا الإسلامية التي يجب أن تكون ثقافتنا متفاعلة معها أوثق تفاعل وأعمقه، كما يجب أن تكون معيار تقويمنا لواقعنا ونقده، وتمييز عناصره وفرزها في ضوء ما تعطيه هذه القيم لنا من ملامح فريدة لشخصيتنا.
ومحور هذه القيم الإسلامية يسمو في حقيقته على الاعتبارات الأرضية كلها،