للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مهما كان لهذه الاعتبارات من وزن وتأثير، وضغط شديد على الفرد والجماعة، في أي مكان أو زمان؛ ذلك أن الإسلام لا يقيم أي وزن لما تواضع عليه الناس من قيم المادة والقوة، والجنس واللون، والعصبية والثراء، وما إلى ذلك من القيم الأخرى، إذا تجردت هذه القيم عن الإيمان والتقوى..

إنه بذلك يرمي إلى أن ينطلق الإنسان -فكرًا وشعورًا وسلوكًا وواقعًا- من حدود القيم الباطلة المتوارثة، والتي تراكمت في عصور الجاهلية، وأصبحت بسبب البعد عن المنهج الحق أمورًا ذات وزن واعتبار في حياة الناس، ولا يجد الإسلام لبقائها أي مبرر، مهما اكتسبت من قوة السيطرة على النفوس وأوضاع المجتمع، بسبب عنصر الاستمرار التاريخي، أو الإلف والشيوع، أو الملابسات الاجتماعية، والضغط النفسي، أو الأثر التربوي أو غير ذلك. إن الإسلام الذي جاء ليضع معالم الطريق لخير الإنسان وسعادته وتقدمه وأمنه وفلاحه، لا يعرف المساومة والمهادنة في أمر الحق الذي جاء به، وما انبثق عن هذا الحق من قيم جديدة بلغت الذروة في الاحتفال بخير الإنسان والاهتمام بعزته، وتوفير كرامته..

ولقد تنوعت الوسائل والأساليب التي جاءت بها دعوة الإسلام لتقرير هذه القيم وتحقيقها، وجعلها روح سلوك الفرد، وطابع المجتمع، وسمة الحياة الإسلامية. وتعمل دعوة الإسلام على توجيه المؤمنين إلى أن يستمدوا موازينهم من هذه القيم، في تجرد كامل من الملابسات والمواصفات، التي أقامتها في نفوسهم ومجتمعهم الأعراف الخاصة، والمواريث المألوفة، التي لا تتلاءم مع حقيقة الدعوة ومبادئها وأهدافها. ويقتضي الارتفاع إلى مستوى هذه القيم انعتاق الفرد والجماعة -في إيمان وعزيمة وصبر- من جواذب كثيرة، ورواسب ثقيلة، وظروف وارتباطات وموروثات مختلفة إلى الحد الذي يصبح فيه المؤمنون صورة حية صادقة لهذه القيم، ونماذج طيبة صالحة لتطبيقاتها الإنسانية في واقع الحياة..

<<  <   >  >>