٢- ثمة -إلى جانب هذه الحقيقة- واقعٌ صارخٌ مرير وهو: أن هذا الإنسان قد جعلته الفلسفة اليونانية حيوانًا ناطقًا، وورثت المدنية الأوربية هذه النزعة، فرسمت له هدفه استغراقًا في المتاع الحسي والتقدم العلمي، ثم ظهرت المادية التاريخية فحولته إلى معدة جائعة لا ضمير لها ولا شعور، في تيار الاقتصاد الذي يوجه البشر إلى الصراع الحاقد بين الطبقات.. وفَقَدَ الإنسان في قبضته هذه العقائد الغامضة، والفلسفات المضطربة معنى وجوده الحق؛ ذلك لأن كل هذه المحاولات التي أرادت أن تحدد للإنسان هدفه كانت متنافرة مع أصل نشأته وجوهر فطرته، وحسبت أن توسُّعها في فهم المادة وطرق التصنيع يُخَوِلُهَا وضع هدف للإنسان، فكان فيما جاءت به -على ما بينها من تناقض واختلاف- التدمير الشامل لخصائص الإنسان، والانحراف الخطير عن الهدف الخير الكريم الذي يجب أن يحاول بلوغه.
٣- إن العقيدة وحدها -عقيدة التوحيد- هي التي تحدد للإنسان هدفه في الحياة، باعتباره خليفة في الأرض، مسئولًا عن إعمارها ونشر الخير والصلاح فيها، وبذلك تسمو به هذه العقيدة إلى ذُرَى الكرامة وآفاق الخير، وتجعل لحياته معنى الوجود الحق، لا الوجود المادي المثقل بالحس وجواذب الأرض، إنه يحمل بالإيمان رسالة الإصلاح ومنهج التقويم فيحرر إيمانه وجدانه تحريرًا كاملًا، ويزوده بأرفع مُثُل الحق