للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكمال التي تعود إلى أسمى الاعتبارات الذاتية فيه -اعتبارات الفطرة والتكريم والمسئولية- بحيث تصغر إزاءها -وهي من نعم الله وفضله- كل القيم المادية مهما بلغت، وتنهار في فكره ووجدانه آثارها، وتصبح خارج حدود التحكم به والسيطرة عليه؛ لأنها اعتبارات لا تمس جوهره الأصيل، وروحه العالية، وإن كانت تلامس جانب الضعف فيه، فتقصيه أحيانًا عن التصاعد والسمو، وتهبط به -ولو في حدود الخاطرة والتمني- من أجواء الرفعة والإشراق، لكنه لا يلبث -بوحي عقيدته وأثرها العظيم في الفكر والسلوك- أن يصحو من غفلته، وينأى عن الانزلاق، ويدرك الحقيقة، ويتحرك بروح الإيمان نحو الهدف، في ثقة وصبر ويقين. إن الذي أيقظ بصيرته فاهتدى إلى طريق الخير، ونأى عن طريق الشر، هو هذا التذكر الذي تثيره العقيدة في قلبه وفكره وضميره، فلا يَزِلُّ ولا يتيه، ولا يستغرقه الشرود، ويعصف به تيار الضياع.. وإلى هذا يشير قوله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} ١.

٤- وليس أدل على تحرير الإيمان لوجدان المؤمن من الخضوع للقيم المادية بما فيها من أموال ومطامع وجهالة واستكبار، حتى لا يضعف الإنسان أمامها، ويناله الوهن أمام إغرائها الشديد، وبريقها الخادع، من هذا الحوار القرآني الرائع الذي تصوره قصة قارون، وفي ذلك يقول عز وجل:

{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ


١ الأعراف: "٢٠١".

<<  <   >  >>