للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد صور القرآن الكريم أولئك الذين لم يؤمنوا بالله بأن ينبوع الرحمة قد غاض في قلوبهم وفقدوا معنى إنسانيتهم وكانوا مثلًا في الشح وقسوة القلب وموت الضمير.. وذلك حيث يقول عز وجل:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ١.

ولم يكف هؤلاء -وقد جف معين الإحسان في قلوبهم- أن يمتنعوا عن البذل، ويمسكوا أيديهم عن العطاء، بل راحوا يفلسفون بخلهم بإطار من الاستهزاء، ونزعة من الاستعلاء! ...

٢- ومن عجب أن هؤلاء الذين انعدم فيهم المعنى الإنساني، حين فقدوا الضمير المؤمن الذين يربط الإنسان بالله القوي القادر، الذي يعلم ما تخفي النفوس وما تكن السرائر، إن هؤلاء أكثر الناس ادعاءً بنمو الشعور الإنساني فيهم ... فهم يتخذون من الفكرة الإنسانية المرتكزة على العمل العقلي وحده دستور الحياة، ويجعلونها مقياس الفضيلة والرذيلة، والمعيار الذي يحدد الخير من الشر، ويحاولون أن يخضعوا للعمل العقلي وحده كل شيء، والواقع أن وضع العقل موضع الحكم المطلق، وجعله القيِّم على حياة الإنسان، ليس سوى فرض لا يغني من الحق شيئًا، "ولايستطيع أصحابه أن يصلوا به إلى الحكمة المقصودة من خلق الإنسان، وجعله خليفة في الأرض، يعمرها وينميها وينشر فيها روح الأمن والطمأنينة والاستقرار، وقد جربته الإنسانية حينًا من الدهر، ولا تزال تتقلب في جمره بين حرب حامية تأكل الأخضر واليابس، وتدمر الجهود التي تبذل في بناء الحضارات وإقامة المنشآت،


١ يّس: "٤٧".

<<  <   >  >>