بها عقيدة الإسلام؛ لأنهم آمنوا بها وفهموا ووَعُوا أبعادها الكبرى في الحياة، فلم يقفوا عند حدود معرفتها والتعمق في معناها، بل خَطَوْا بها أشواطًا بعيدة في مضمار التبليغ والتطبيق والتنفيذ، فكانوا مشاعل الهداية التي أضاءت للبشر سبل الرشاد؛ حيث حملوها عبر الصحاري والقفار، وتجاوزوا بها المغاور والجبال، وعبروا بها السهول والبحار، ونشروا رايتها في كل أرض وطئتها أقدامهم، ودخل الناس -بفضل من الله ثم بجهادهم وصدق دعوتهم- في دين الله أفواجًا، وليس هذا الرصيد العلمي والفكري والحضاري الضخم الذي وعاه التاريخ وسطره بمداد المجد والفخار إلا أثرًا بسيطًا من آثار فتح العقيدة النيّر في تلك الأمم والشعوب، ولقد لفتت هذه الظاهرة العظيمة نظر كثير من الباحثين ومؤرخي الحضارة وراصدي نتائجها، وذكر كثير من المنصفين منهم: أن عقيدة الإسلام ومبادئه وثقافته، هي الباعث الأساسي لهذه النهضة الكبيرة التي أفادت الإنسانية منها، وجنت من ثمارها، وكانت من بَعْدُ العامل الأول لتَقَدُّم أوروبا وخروجها من ظلام القرون الوسطى.
٤- إن هذه الآثار الجليلة التي تركها أولئك الأبرار الصادقون، وهذا الرصيد الضخم الكبير الذي خلفوه لمن بعدهم ميراثًا حيًّا لا يبلى على مر الزمان، إن هذا كله يُلْقِي على أبناء دعوة الإسلام مسئولية جسيمة لا يقوى على النهوض بأعبائها إلا إنسان العقيدة الذي يستمد من إيمانه قوة الصمود إزاء الأحداث والفتن والأهواء، فلا تهزه أعاصيرها العاتية، ولا تنال منه منحها القاسية، ولا يصرفه شيء مما في هذه من رغبة مغرية أو رهبة مؤذية عن هدفه الكبير في الوفاء لعقيدته والانتصار لها والثبات عليها والعمل على نشرها والجهاد لإعلاء قدرها..