للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شأنها، ولا يعرف معنى السعادة إلا بالعطاء الدائم الذي يدينه من رضى ربه، ولو كان هذا العطاء بذلًا سخيًا للمال والروح؛ إنه إنسان فَذٌّ أوتي حظًا عظيمًا من وضوح الرؤية وقوة الإدراك ونفاذ البصيرة، فأعطى الحياة قيمتها الحقيقية، ووعى وظيفته فيها فأداها حق أدائها.

ولا بد لدعوة الحق من هذه النماذج الرفيعة التي تتحرر من أغلال الأهواء، وتسمو عن نوازع النفس وتعلو فوق قيود التراب؛ لتنطلق بعزم وإخلاص في آفاق رحبةٍ وضيئةٍ، تزرع في جنباتها غرس الإيمان الخالص الذي سرعان ما يخرج نباته بإذن ربه طيبًا داني القطوف.

ومن الطبيعي أن المحن والشدائد وعنف المجابهة وحدة الصراع؛ هو المُنَاخ الصالح لإعداد هذه النماذج الفريدة وتربيتها وتكوينها، وجعلها القاعدة الصلبة الثابتة التي يُعَوَّلُ ويُسْتَنَدُ إليها في المعارك والأزمات؛ لأنها الصفوة الخالصة التي لا يزيدها لهب المعارك ووهج الصراع إلا ألقًا وصفاء ... وقد أتيح لدعوة الإسلام في فجر الرسالة إعدادُ فئةٍ من هؤلاء الأفذاذ الذين ضَرَبُوا أروع الأمثلة في البطولة والفداء، وفيهم يقول الله تبارك وتعالى:

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} ١.

٣- نجد في سيرة السلف الصالح من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي تاريخ أبطال الإسلام في مختلف العصور الصورة الحية الرائعة لإنسان العقيدة في إيمانه وبسالته، وإخلاصه وبذله، وصدقه وصبره، ونشعر ونحن نعيش في ظلال هذا الإيمان الدافق المكافح أن هؤلاء الأبرار الذين نهلوا من معين النبوة؛ إنما كانوا الترجمة الحية المتحركة للمبادئ المثلى التي جاءت


١ الأحزاب: "٢٣".

<<  <   >  >>