للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا يعطي ما يصف من علاج أيَّ فائدة في شفاء المريض، إن لم يترك آثارًا عكسية تُضَاعِفُ من المرض، وتُودِي بالمصاب به.

وإذا نظرنا في أحوال كثير من الأمم في الماضي والحاضر تَبَيَّنَ لنا انطباق هذا المَثَل -بشكل عام- على الأوضاع التي تحل بها إِثْرَ هزة كبيرة في حياتها، وهل هناك أقسى وأشد من تسلط عدوِّها عليها، وتحكمه في أمورها، وتعويق حركتها، وشل مقومات بقائها؟! ومع هذا فإن الخطر الكبير المخيف ليس في الهزيمة الطارئة، ولكنه في أسلوب علاجها للتغلب عليها، وتطويق نتائجها، والحيلولة دون تكرارها، إن الخطأ والانحراف هنا بسبب الجهل أو سوء التقدير، أو بسبب الإصرار على إنكار الحقائق، والتشبث بالباطل، لا يَنْجُم عنه سوى السقوط المُريع، والمصير الرهيب، بعد سير شاق مرهق في طريق ملتوية مليئةٍ بالعثرات، مزدحمة بالمزالق.

٢- ويتطلع المسلمون اليوم إلى وضعٍ يكونون فيه أحسن حالًا، وأبعد منالًا، وأوفى قوة ومنعة، وأكثر صلابة وعزمًا، وأشد قدرة على تخطي العقبات، وتجاوز الهزيمة. وإذا كانت وسائل العلاج كثيرة، وكان المتصدُّون للمعالجة -على مختلف المستويات- أكثر من أن يحصيهم العَدُّ، فإن ثمة حقيقة ينبغي أن لا تغيب عن أحد وهي: أن لهذه الأمة طبيعةً ذاتيةً خاصة، تميزها عن غيرها من الأمم، ولذا فإن ما يُظَنُّ أنه صالح لغيرها لا يصلح لها، بسبب مجانَبَتِه لطبيعتها، وتنافره مع خصائصها، وأي علاج لا ينبثق من اعتبار هذه الحقيقة لا يمكن أن يُحْدِثَ التفاعل المطلوب، ويؤدي النتيجة المرجوَّة في التخلص من العلل، وتوفير العافية الصحيحة في بنية الأمة وعناصر وجودها وبقائها، إن لم يتجاوز ذلك إلى إحداث تفاعل عكسي يزيد

<<  <   >  >>