للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليهم بعضُ الأسماع، ووقعت في شركهم بعض العقول، ولقيت محاولاتهم تلك صدىً واستهواءً في بعض الاتجاهات والأفكار. ومنشأ الوهم عند هؤلاء ومَنْ تَابَعَهُم من مَرْضَى القلوب أنهم لم يعرفوا طبيعة هذه الأمة التي تستعصي على الذوبان، وتأبى -في أشد الظروف قسوةً- أن ترضى بالدنيَّة والذل والاستسلام، وقد مرت بها -في تاريخها الطويل- أيام عصيبة ونكبات شتى لو أصابت غيرها لقضت عليها، وأبادتها وجعلتها أثرًا بعد عَيْن.

إن سر هذه المناعة العجيبة التي حيرت أعداءها، وأَوْغَرَتْ صدروهم بالحقد، وحملتهم على العدوان المستمر في موجات غزو ضارية متلاحقة يعود إلى هذه الحقيقة البسيطة الرائعة "العقيدة"، العقيدة التي ترتفع بالأمة عن مستوى الغرور والاستعلاء إذا انتصرت، والخنوع والاستسلام إذا انهزمت.. العقيدة التي تغرس في قلوب أبنائها أن النصر من عند الله يؤتيه من يشاء، فإذا حلت بها الهزيمة في معركة قوَّمَتْ بميزان عقيدتها ما حلَّ بها، فعرفَتْ عوامل هزيمتها وأسباب نكبتها، وكان ذلك لها درسًا نافعًا في مستقبل حياتها.. العقيدة التي هي أعز على أبناء هذه الأمة من أرواحهم وأبنائهم وأموالهم؛ لأنهم يضحون بهذا كله ولا يفرِّطُون بعقيدتهم مصدر كرامتهم وعزتهم.

١- وحسبنا أن نعيش لحظات مع هذه العقيدة وآثارها البالغة في بَثِّ روح العزيمة الصادقة والعزة المؤمنة في ذلك اليوم العصيب الذي امتحن فيه المؤمنون "يوم أحد" ففي ذلك اليوم، الذي نال فيه المشركون من المسلمين وقتلوا منهم عددًا كبيرًا، وقف أبو سفيان بن حرب يقول في ملأ من أصحابه: أَفِي القوم محمدٌ؟ فلم يجبه أحد؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهاهم عن ذلك، ثم قال: أَفِي القوم ابنُ أبي قحافة؟ فلم يَلْقَ جوابًا، فقال: أفي القوم ابنُ الخَطَّاب؟ فلم يَرُد عليه أحد أيضًا فقال:

<<  <   >  >>