والحضارة؛ مؤكدًا على ضرورة تحديد أوضاعنا -في صدد بناء نهضتنا- بطريقين:
الأول: سلبية تفصلنا عن رواسب الماضي.
الثانية: إيجابية تصلنا بمقتضيات المستقبل.
وساق على ذلك أمثلة تؤكد التلازم بين الثقافة والحضارة؛ بل لعل التناوب في التعبير بين الكلمتين كما ورد في معرض التدليل على ضرورة تحديد أوضاع النهضة بالطريقين السلبي والإيجابي، قد جاء تأكيدًا على ما ينبغي أن نتجه إليه من الحرص على الربط في المدلول بين الثقافة والحضارة.
فهو يقول:
"ولعل هذه النظرية -أي ضرورة تحديد الأوضاع بطريقتين سلبية وإيجابية- قد لوحظ أثرها في الثقافة الغربية في عهد نهضتها؛ إذ كان "توماس الإكويني" ينفيها -ولو عن غير قصد منه- لتكون الأساس الفكري للحضارة الغربية، وما كانت ثورته ضد ابن رشد، وضد القديس أوغسطين إلا مظهرًا للتحديد السلبي، حتى يستطيع تصفية ثقافته مما كان يراه فكرة إسلامية، أو ميراثًا ميتافيزيقيا "للكنيسة البيزنطية". وأتى بعده "ديكارت" بالتحديد الإيجابي الذي رسم للثقافة الغربية طريقها الموضوعي، الذي يبنى على المنهج التجريبي؛ ذلك الطريق الذي هو في الواقع السبب المباشر لتقدم المدنية الحديثة تقدمها المادي.
والحضارة الإسلامية نفسها قامت بعملية التحديد هذه من ناحيتها السلبية والإيجابية؛ إلا أن الحضارة الإسلامية قد جاءت بهذين التحديدين مرةً واحدة، وصدرت فيها عن القرآن الكريم الذي نفى الأفكار الجاهلية البالية، ثم رسم طريق الفكرة الإسلامية الصافية، التي تخطط للمستقبل بطريقة إيجابية، وهذا العمل نفسه لازم