للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومصدره وعوامل تكوينه ومدى انطلاقه؛ فهل يسوغ في منطق طبائع الأشياء أن يهيمن نتاج فكر محدود مهما علا -وهو ظاهرة كونية مخلوقة- على الكيان البشري كله، ويرسم له خطة السير في الحياة وهو عاجز عن أن يستوعب بعض أجزاء الكون الواسع الكبير، أو يدرك أسراره العجيبة؛ فضلًا عن عجزه التام -الذي لم يبلغ به الغرور حَدَّ إنكاره- عن التأثير في سنن الكون ونظامه. ولا شك أن هذا المثل القرآني يطامن كبرياء هذا الفكر، وتعاليه الأجوف، ونزوعه إلى ممارسة ما ليس أهلًا له في تعنت وجحود، وجهالة واستكبار.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} ١.

"وإن العقيدة في نظام الإسلام -كما يتجلى ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية- تتصل بجميع أجزاء هذا النظام؛ فهي الأساس التي تبنى عليه نظرته أو نظامه الخلقي، وهي التي تكون الأساس الفكري لعقلية المسلم، والأساس النفسي لسلوكه، ومنها كذلك تنبثق نظرته إلى الحياة الاقتصادية، والحياة السياسية وعلى أساس فلسفتها يبنى نظامها.

وخلاصة الأمر أن مضمون العقيدة له تأثير كبير في الحياة الإسلامية؛ سواء الفردية أم الاجتماعية. ويلاحظ أنها تتخلل جميع سور القرآن بلا استثناء، وأنها تتخلل جميع أحكامه الأخلاقية والتشريعية؛ فلا تستطيع أن تعزل قواعد التنظيم الحقوقي الاجتماعي الموجودة في القرآن عن هذا العنصر الإيماني الذي يتخللها ويحيط بها. نعم إنه يمكنك أن تجرد هذه القواعد الحقوقية؛ لكنك تكون قد عطلت الجهاز المتحرك عن حركته وأفقدته روحه وحيويته، وقطعت


١ الحج: ٧٣-٧٤

<<  <   >  >>