هذا هو المنهج السوي الذي لا تعرج فيه ولا التواء؛ إنه صراط الله المستقيم الذي يجمع في إحكامٍ بالغ وتناسق رائع، بين العقيدة الحقة النيرة، والنظام الكامل للحياة الطيبة، وهو تناسق وإحكام يعمق هذه الصلة الوثيقة بين مقتضى العقيدة وطبيعة النظام؛ بحيث تقوم تشريعات النظام إيمانًا في القلب، ودفعًا في المشاعر، ويقينًا في البصائر، ويقظة في الضمائر.. قبل أن تقوم في أوضاع المجتمع وحياة الناس؛ وبهذا يمتاز المنهج الإسلامي -الذي تتحقق به هذه الصلة وهذا الانسجام بين الفكر والوجدان من جهة وشئون الحياة وأوضاعها من جهة أخرى- عن أي منهج آخر من المناهج الأرضية التي تظل مُسِفَّةً هابطةً مهما ادَّعَتْ من السمو والارتفاع، ما دامت تفقد هذه الصلة الاعتقادية، وحركتها الضخمة الواسعة في النفوس والحياة.
هنالك إذن منهج واحد، واضح مستقيم، مأمون العاقبة، مضمون السلامة نيِّر مشرق، لم تخططه في فكر الإنسان وضميره وسلوكه في الحياة فلسفة معقدة ملتوية، أو تجربة ناقصة شوهاء، أو نظرية ليس لها سند من علم ويقين، ولم تفرضه أزمة عارضة في حياة شعب، أو مرحلة عاجلة في تاريخ أمة، أو هدف موقوت لجماعة من البشر؛ فهذه كلها ليست سوى ضروب من النشاط الإنساني المحدود -فرديًا كان أو جماعيًا- لم تتحرر ولن تتحرر من الخضوع لقيود الزمان والمكان، ولم ترتفع -وليس بمقدورها أن ترتفع- عن مستوى التقاليد المألوفة، أو الأعراف الشائعة، أو التراث القومي أو التأثر بنزعة فردية، أو مشكلة اجتماعية، أو فكرة عنصرية أو غير ذلك مما ولَّدته في حياة الناس اعتبارات ضيقة، أو هزات اجتماعية، أو مراحل تاريخية.
قد يكون في شيءٍ من هذه وَهْمُ الصلاح بَعْضَ حين لبعض الناس، وفي بيئة دون أخرى؛ ولكنها لا تصلح أبدًا لكل الناس، في كل زمان ومكان وكيف تصلح لقيادة ما هي منقادة إليه، ومصفدة بأغلاله؟ كيف تصلح وهي -في أقل صورها سوءًا وأحسنها مظهرًا- ليست إلا خلاصة فكر قاصر بطبعه