للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاحتكام إليه، وبذلك ترتفع بالإنسان إلى أفق العبودية الخالصة التي تتسق مع حقيقته وكرامته، وتنقذه من مواريث الجاهلية، وأوضاعها الباطلة التي تشوه الفطرة، وتهدد الكرامة، ويفقد فيها الإنسان معنى الإنسانية الأصيل فيه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ مولود يُولَدُ على الفطرة، فأبواه يهوّدَانِه، أو يُنَصِّرانِهِ أو يمجسانه، كما تولد بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ١.

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء؛ فجاءتهم الشياطين فاجتالَتْهُمْ عن دينهم، وحرَّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم" ٢.

وبهذا يتضح أن مفاهيم الإسلام -وهي ثقافته- تتفاعل في النفس الإنسانية مع الفطرة النقية التي لو تركت وأصالتها -من غير محاولة إفسادها وتشويهها- لما انحرفت عن عهد الله، أو زاغت عن هداه، أو ضلت عن سبيله، ولانطلقت في جو الحقائق الناصعة، والبراهين الناطقة، والعظات النافعة، التي تتحرر بها العقول من الأوهام والتعطل، وتطهر بها القلوب من جواذب الانحراف وضغط الأهواء.

فإذا كانت موجبات الهداية، وموحيات الإيمان، وأسباب الاستقامة ممتزجةً بكيان الإنسان منذ نشأته، وكان نور الحق مركوزًا في فطرته؛ فإن ثقافة الإسلام إنما ترتكز على هذا الرصيد الكبير النقي في إقامة الوجود الحق الكريم للإنسان، وهي تنفرد بذلك عن أي ثقافة أخرى لا تملك هذا الرصيد، فتهبط بالإنسان من الأفق الرفيع الوضيء، وينأى عن هذه الموجبات والموحيات، ويستغرق في الضلال، وينسلخ من دلائل الحق في نفسه، وفي الكون من


١ رواه الشيخان
٢ رواه مسلم

<<  <   >  >>