للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأوربي في القرن الثاني عشر- أن يضع خلقية ذاتية تقوم على فكرة "أداء الواجب لذات الواجب" وشاعت هذه الخلقية المثالية في الشعب الألماني على الخصوص، وعرفت هذه الفكرة بفكرة "كانت" أو بالواجب الخلقي.

ومع أنها خلقية دافعة نحو العمل من ذات الإنسان، دون رعاية القانون الوضعي، وما يصحبه من سلطة تنفيذية؛ فإنها تفترق عن الخلقية الدينية التي يريدها الإسلام للمجتمع الإسلامي، والتي هي أساس لتماسك المجتمع الإسلامي، وتعاون أفراده؛ لأنه مهما كان الأمر فلا يغيب عن أذهاننا أن أساس القوة الخلقية هو الاعتقاد بالله، وإن أساس الخلقية المثالية هو تصور عمل الواجب من الإنسان للإنسانية. وشتان بين قوة تعتمد على الاعتقاد بالله، وأخرى تقوم على تصور الإنسان للإنسانية؛ فالاعتقاد بالله من شأنه أن يبقى ويدوم؛ بينما تطورات الإنسان -مهما كانت- فإنها تخضع للعوامل التي يتأثر بها الإنسان، ويسهل عندئذ أن يتغير تصور الإنسان من لونٍ إلى لونٍ آخر.

وإذا كان أي قانون من القوانين لا يستطيع أن يستقل بذاته في أي وقت من الأوقات؛ بل لا بد أن يقترن حتى ينفذ ويصان بثقة الإنسان به، فإن مرتكز هذه الثقة هو مرتكز وجداني أخلاقي، لا تنشئه إلا العقيدة الدينية وحدها، وفي هذا ما يؤكد أن الإيمان وحده هو الذي يستوفي كل هذه الأمور. وينشئ ذلك الشعور الذي يظل يعتمل في قرارة ضمير المؤمن؛ فيحمله على الخير ويردعه عن الشر، ويحدث ذلك التفاعل الإيجابي -الناجم عن الثقة- مع الاستقامة والفضائل، وذلك التفاعل السلبي مع الانحراف والرذائل١.


١ انظر "الإسلام في الواقع الأيديولوجي المعاصر": للدكتور محمد البهي ص٤٢-٤٥.
وانظر: "الإسلام يتحدى" تأليف: وحيد الدين خان ص٤٢٣

<<  <   >  >>