"النبوات"- قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتبديلها وتغييرها"١.
ج- إن هذه الثقافة التي تقوم على الإيمان بالله والرسول واليوم الآخر.. تنشئ في النفس الإنسانية تلك الثقة المرتكزة على يقظة ذاتية، وحيوية داخلية، تكوّن تلك النزعة الفطرية إلى الاستقامة، وتدفع إلى حسن السلوك، وهي نزعة لا تحتاج إلى محرك خارجي، ولا إلى رقابة خارجية؛ إذ السلطان على الفرد عندئذ هو الاعتقاد الذي يحمله بين جنبيه.
والفرق بين المؤمن الذي يحمل في نفسه القوة الدافعة إلى العمل المستقيم، والتعاون مع الناس، وبين القانون الذي يضعه المجتمع ويفرضه بقوة الحراسة وهي القوة التنفيذية. إن الفرق هو أن سلطان القانون وما يصحبه من قوة تنفيذية خارج عن الإنسان، والإنسان في المجتمع الحديث -وهو المجتمع صاحب القانون الوضعي وصاحب السلطة التنفيذية- يعمل بدفع هذه القوة الخارجة عنه، ولو تهاون هذا المجتمع في تطبيق القانون يومًا ما، أو خفت رقابة السلطة التنفيذية؛ فإن الفرد يتهاون بدوره في أداء ما كان يحتم عليه القانون أداءه، وما كانت السلطة التنفيذية ترقبه منه.
إن الثقة الكاملة بين الإنسان وما يجب عليه من العمل والسلوك؛ لا بد أن تكون منبثقة من يقين الإنسان بصحة ما يجب عليه، وحُبٍّ صادق له، ورغبة قوية فيه، وحرص تام عليه، وسعادة في أدائه؛ ولكن هذه العناصر والبواعث لا يمكن أن تتحقق للإنسان بعامل الدفع الخارجي؛ بل لا بد لها من العقيدة التي تمزجها جميعًا مزجًا طرائعًا بكيان الإنسان الداخلي، وشعوره الوجداني.
من أجل هذا حاول بعض الفلاسفة الأخلاقيين المثاليين في -المجتمع
١ عبد الرحمن الباني: "مقدمة رسالة العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية" ص٢٢. وأرقام الصفحات في النص من رسالة العبودية.