للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَ بِهَا مِنْ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَقَتَادَةُ، وَكَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ، وَمِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَصْحَابُهُ، وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ: الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ كُلُّهُمْ.

وَبِالْجُمْلَةِ: فَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ.

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: الْعَمَلُ بِهَا تَعْوِيلٌ عَلَى مُجَرَّدِ الشَّبَهِ، وَقَدْ يَقَعُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ، وَيَنْتَفِي بَيْنَ الْأَقَارِبِ. وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى اعْتِبَارِهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَسْرُورٌ، تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَيْ عَائِشَةُ، أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ، فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا، وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ، قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» وَفِي لَفْظٍ «دَخَلَ قَائِفٌ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إلْحَاقَ الْقَافَةِ يُفِيدُ النَّسَبَ، لِسُرُورِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ، وَهُوَ لَا يُسَرُّ بِبَاطِلٍ.

فَإِنْ قِيلَ: النَّسَبُ كَانَ ثَابِتًا بِالْفِرَاشِ، فَسُرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُوَافَقَةِ قَوْلِ الْقَائِفِ لِلْفِرَاشِ، لَا أَنَّهُ أَثْبَتَ النَّسَبَ بِقَوْلِهِ.

قِيلَ: نَعَمْ، النَّسَبُ كَانَ ثَابِتًا بِالْفِرَاشِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقْدَحُونَ فِي نَسَبِهِ، لِكَوْنِهِ أَسْوَدَ وَأَبُوهُ أَبْيَضُ، فَلَمَّا شَهِدَ الْقَائِفُ بِأَنَّ تِلْكَ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ سُرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي أَزَالَتْ التُّهْمَةَ. حَتَّى بَرَقَتْ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ مِنْ السُّرُورِ.

وَمَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْقَافَةَ يَقُولُ: هِيَ مِنْ أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُسَرَّ لَهَا، بَلْ كَانَتْ أَكْرَهُ شَيْءٍ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَمْ يَقُلْ لِعَائِشَةَ: «أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ قَالَ كَذَا وَكَذَا؟» فَإِنَّ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ، وَرِضًا بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْقَافَةُ بَاطِلَةً: لَمْ يُقِرَّ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَرْضَ بِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ

<<  <   >  >>