الْقَائِفَ لَا يَعْلَمُ الْحَالَ فِي كُلِّ صُورَةٍ، بَلْ قَدْ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ كَثِيرًا. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ: فَلَا حُجَّةَ فِي الْقِصَّةِ عَلَى إبْطَالِ حُكْمِ الْقَافَةِ فِي شَرِيعَتِنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَلْ قِصَّةُ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ صَرِيحَةٌ فِي إبْطَالِ الْوَلَدِ بِأُمَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ نَبِيٌّ مِنْ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ - بَلْ اتَّفَقَا عَلَى إلْغَاءِ هَذَا الْحُكْمِ، فَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةُ لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَاَلَّذِي يَقُولُونَ بِهِ غَيْرُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةُ.
٩٦ - (فَصْلٌ)
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ فِي الْوَلَدِ الَّذِي ادَّعَاهُ الثَّلَاثَةُ وَالْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا: فَهُوَ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ جِدًّا، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لَا أَدْرِي مَا هَذَا وَلَا أَعْرِفُهُ صَحِيحًا.
وَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ " أَنَّ ثَلَاثَةً وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ؟ " قَالَ: حَدِيثُ عُمَرَ فِي الْقَافَةِ أَعْجَبُ إلَيَّ. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ ": أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْخَلِيلِ لَا يُتَابِعُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَحْمَدَ: أَنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا: مَا رَوَاهُ قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّ رَجُلَيْنِ وَقَعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ، فَدَعَا لَهُ عَلِيٌّ الْقَافَةَ، وَجَعَلَهُ ابْنَهُمَا جَمِيعًا، يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْأَخْذُ بِالْقَافَةِ دُونَ الْقُرْعَةِ.
وَأَيْضًا: فَالْمَعْهُودُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُرَجِّحٌ سِوَاهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَافَةَ مُرَجَّحَةٌ: إمَّا شَهَادَةً، وَإِمَّا حُكْمًا، وَإِمَّا فُتْيَا؛ فَلَا يُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ مَعَ وُجُودِهَا. وَأَيْضًا: فَنُفَاةِ الْقَافَةِ لَا يَأْخُذُونَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ فِي الْقُرْعَةِ، وَلَا بِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ عُمَرَ فِي الْقَافَةِ، فَلَا يَقُولُونَ بِهَذَا وَلَا بِهَذَا.
فَنَقُولُ: حَدِيثُ عَلِيٍّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا أَوْ لَيْسَ بِثَابِتٍ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا، فَهُوَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ، تَحْتَمِلُ، وُجُوهًا: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَدْ وُجِدَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَائِفٌ، أَوْ يَكُونُ قَدْ أَشْكَلَ عَلَى الْقَائِفِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ، أَوْ يَكُونُ لِعَدَمِ كَوْنِ الْقِيَافَةِ طَرِيقًا شَرْعِيًّا، وَإِذَا احْتَمَلَتْ الْقِصَّةُ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا: لَمْ يَجْزِمْ بِوُقُوعِ أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَقَدْ تَضَمَّنَتْ الْقِصَّةُ أَمْرَيْنِ مُشْكِلَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute