للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّ بِقَوْلِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ وَحْدَهُ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَقَافَ الْمُصْطَلِقِيَّ وَحْدَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَاسْتَقَافَ ابْنُ عَبَّاسٍ ابْنَ كِلْدَةَ وَحْدَهُ، وَاسْتَلْحَقَ بِقَوْلِهِ.

وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالطَّبِيبِ وَالْبَيْطَارِ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ يُوجَدْ سِوَاهُ وَالْقَائِفُ مِثْلُهُ، فَتَخْرُجُ لَهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ الطَّبِيبِ وَالْبَيْطَارِ، لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُ وُجُودًا مِنْهُ، فَإِذَا اُكْتُفِيَ بِالْوَاحِدِ مِنْهُمَا - مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ - فَالْقَائِفُ أَوْلَى.

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ لَمْ يَحْكُمَا بِالْقَافَةِ فِي قِصَّةِ الْوَلَدِ الَّذِي ادَّعَتْهُ الْمَرْأَتَانِ ".

فَيُقَالُ: قَدْ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْقَافَةِ: هَلْ يُعْتَبَرُ فِي تَدَاعِي الْمَرْأَتَيْنِ كَمَا يُعْتَبَرُ فِي تَدَاعِي الرَّجُلَيْنِ؟ وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ هَاهُنَا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي تَدَاعِي الرَّجُلَيْنِ.

قَالُوا: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّا يُمْكِنُنَا التَّوَصُّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْأُمِّ يَقِينًا، بِخِلَافِ الْأَبِ، فَإِنَّا لَا سَبِيلَ لَنَا إلَى ذَلِكَ، فَاحْتَجْنَا إلَى الْقَافَةِ، وَعَلَى هَذَا: فَلَا إشْكَالَ.

وَالْوَجْهُ الْآخَرُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ -: أَنَّ الْقَافَةَ تَجْرِي هَاهُنَا كَمَا تَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، قَالَهُ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ فِي يَهُودِيَّةٍ وَمُسْلِمَةٍ وَلَدَتَا، فَادَّعَتْ الْيَهُودِيَّةُ وَلَدَ الْمُسْلِمَةِ - قِيلَ لَهُ: يَكُونُ فِي هَذَا الْقَافَةُ؟ قَالَ: مَا أَحْسَنَهُ اهـ.

وَالْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يَأْخُذُ الشَّبَهَ مِنْ الْأُمِّ تَارَةً، وَمِنْ الْأَبِ تَارَةً: تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ.

فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْقَافَةِ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ بِالشَّبَهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَثَوْبَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَكَوْنُ الْأُمِّ تُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا يَقِينًا - بِخِلَافِ الْأَبِ - لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَافَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمَرْأَتَيْنِ، لِأَنَّا إنَّمَا نَسْتَعْمِلُهَا عِنْدَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْأُمِّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهَا عِنْدَ تَيَقُّنِ مَعْرِفَةِ الْأُمِّ عَدَمُ اسْتِعْمَالِهَا عِنْدَ الْجَهْلِ بِهَا، كَمَا أَنَّا إنَّمَا نَسْتَعْمِلُهَا فِي حَقِّ الرَّجُلَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ تَيَقُّنِ الْفِرَاشِ، لَا عِنْدَ تَيَقُّنِهِ.

وَأَمَّا كَوْنُ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ لَمْ يَعْتَبِرَاهَا: فَإِمَّا أَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ شَرِيعَةً لَهُمَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ، إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ شَرْعًا لَدَعَوْا الْقَافَةَ لِلْوَلَدِ.

وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْقَافَةُ مَشْرُوعَةً فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ، وَلَكِنْ فِي حَقِّ الرَّجُلَيْنِ، كَمَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي شَرِيعَتِنَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا كَلَامَ. وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً مُطْلَقًا، وَلَكِنْ أُشْكِلَ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ أَمْرُ الشَّبَهِ بِحَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُمَا، وَأَنَّ

<<  <   >  >>