قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ رَجُلًا قَدْ ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ، فَعَلِمْت أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِغُلَامِهِ.
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ مُرَّةَ نَظَرَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: هَذَا غَرِيبٌ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ وَاسِطَ. وَهُوَ مُعَلِّمٌ، وَهُوَ يَطْلُبُ عَبْدًا لَهُ أَبَقَ. فَوَجَدُوا الْأَمْرَ كَمَا قَالَ. فَسَأَلُوهُ؟ فَقَالَ: رَأَيْته يَمْشِي وَيَلْتَفِت، فَعَلِمْت أَنَّهُ غَرِيبٌ، وَرَأَيْته وَعَلَى ثَوْبِهِ حُمْرَةُ تُرْبَة وَاسِطَ فَعَلِمْت أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَرَأَيْته يَمُرُّ بِالصِّبْيَانِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى الرِّجَالِ، فَعَلِمْت أَنَّهُ مُعَلِّمٌ. وَرَأَيْته إذَا مَرَّ بِذِي هَيْئَةٍ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَإِذَا مَرَّ بِذِي أَسْمَالٍ تَأَمَّلَهُ، فَعَلِمْت أَنَّهُ يَطْلُبُ آبِقًا.
وَقَالَ هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ بُكَيْرٍ: مَرَّ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَسَمِعَ قِرَاءَةً مِنْ عِلِّيَّةٍ، فَقَالَ: هَذِهِ قِرَاءَةُ امْرَأَةٍ حَامِلٍ بِغُلَامٍ، فَسُئِلَ، كَيْفَ عَرَفْت ذَلِكَ؟ فَقَالَ سَمِعْت بِصَوْتِهَا وَنَفَسِهَا مُخَالِطَةً. فَعَلِمْت أَنَّهَا حَامِلٌ وَسَمِعْت صَحَلًا، فَعَلِمْت أَنَّ الْحَمْلَ غُلَامٌ، وَمَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِكُتَّابٍ فِيهِ صِبْيَانٌ. فَنَظَرَ إلَى، صَبِيٍّ مِنْهُمْ، فَقَالَ: هَذَا ابْنُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ فَكَانَ كَمَا قَالَ.
وَقَالَ رَجُلٌ لِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: عَلِّمْنِي الْقَضَاءَ فَقَالَ: إنَّ الْقَضَاءَ لَا يُعَلَّمُ، إنَّمَا الْقَضَاءُ فَهْمٌ، وَلَكِنْ قُلْ: عَلِّمْنِي مِنْ الْعِلْمِ، وَهَذَا هُوَ سِرُّ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: ٧٨] {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩] فَخَصَّ سُلَيْمَانَ بِفَهْمِ الْقَضِيَّةِ، وَعَمَّهُمَا بِالْعِلْمِ. وَكَذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ إلَى قَاضِيهِ أَبِي مُوسَى فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ: " وَالْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا أُدْلِيَ إلَيْك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute