وَمِنْ الْحُكْمِ بِالْفِرَاسَةِ وَالْأَمَارَاتِ: مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَاصَمَ غُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أُمَّهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَحَدَتْهُ، فَسَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ، فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ، وَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ بِنَفَرٍ، فَشَهِدُوا أَنَّهَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَأَنَّ الْغُلَامَ كَاذِبٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ قَذَفَهَا. فَأَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِضَرْبِهِ، فَلَقِيَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَأَلَ عَنْ أَمْرِهِمْ، فَأُخْبِرَ فَدَعَاهُمْ، ثُمَّ قَعَدَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَأَلَ الْمَرْأَةَ فَجَحَدَتْ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: اجْحَدْهَا كَمَا جَحَدَتْك، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا أُمِّي، قَالَ: اجْحَدْهَا، وَأَنَا أَبُوك وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ أَخَوَاك، قَالَ: قَدْ جَحَدْتهَا، وَأَنْكَرْتهَا. فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ: أَمْرِي فِي هَذِهِ الْمَرْأَةِ جَائِزٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَفِينَا أَيْضًا، فَقَالَ عَلِيٌّ: أُشْهِدُ مَنْ حَضَرَ أَنِّي قَدْ زَوَّجْت هَذَا الْغُلَامَ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْغَرِيبَةِ مِنْهُ، يَا قَنْبَرُ ائْتِنِي بِطِينَةٍ فِيهَا دِرْهَمٌ، فَأَتَاهُ بِهَا، فَعَدَّ أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، فَدَفَعَهَا مَهْرًا لَهَا.
وَقَالَ لِلْغُلَامِ: خُذْ بِيَدِ امْرَأَتِك، وَلَا تَأْتِنَا إلَّا وَعَلَيْك أَثَرُ الْعُرْسِ، فَلَمَّا وَلَّى، قَالَتْ الْمَرْأَةُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، اللَّهَ اللَّهَ هُوَ النَّارُ، هُوَ وَاَللَّهِ ابْنِي. قَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: إنَّ أَبَاهُ كَانَ زِنْجِيًّا، وَإِنَّ إخْوَتِي زَوَّجُونِي مِنْهُ، فَحَمَلْت بِهَذَا الْغُلَامِ. وَخَرَجَ الرَّجُلُ غَازِيًا فَقُتِلَ، وَبَعَثْت بِهَذَا إلَى حَيِّ بَنِي فُلَانٍ. فَنَشَأَ فِيهِمْ، وَأَنِفْت أَنْ يَكُونَ ابْنِي، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ، وَأَلْحَقَهُ بِهَا، وَثَبَتَ نَسَبَهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَجُلًا: كَيْفَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ يُحِبُّ الْفِتْنَةَ، وَيَكْرَهُ الْحَقَّ، وَيَشْهَدُ عَلَى مَا لَمْ يَرَهُ، فَأَمَرَ بِهِ إلَى السِّجْنِ. فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِرَدِّهِ، وَقَالَ: صَدَقَ، قَالَ: كَيْفَ صَدَّقْته؟ قَالَ: يُحِبُّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: ١٥] وَيَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَهُوَ حَقٌّ، وَيَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يَرَهُ، فَأَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِطْلَاقِهِ، قَالَ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤] .
وَقَالَ الْأَصْبَغُ بْنُ نَبَاتَةَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى مَجْلِسِ عَلِيٍّ - وَالنَّاسُ حَوْلَهُ - فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى النَّاسِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النَّاسِ، إنَّ لِلدَّاخِلِ حَيْرَةً، وَلِلسَّائِلِ رَوْعَةً، وَهُمَا دَلِيلُ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ فَاحْتَمِلُوا زَلَّتِي إنْ كَانَتْ مِنْ سَهْوٍ نَزَلَ بِي، وَلَا تَحْسَبُونِي مِنْ شَرِّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ. فَتَبَسَّمَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأُعْجِبَ بِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنِّي وَجَدْت أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي خَرِبَةٍ بِالسَّوَادِ، فَمَا عَلَيَّ؟ وَمَا لِي؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنْ كُنْت أَصَبْتهَا فِي خَرِبَةٍ تُؤَدِّي خَرَاجَهَا قَرْيَةٌ أُخْرَى عَامِرَةٌ بِقُرْبِهَا فَهِيَ لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ، وَإِنْ كُنْت وَجَدَتْهَا فِي خَرِبَةٍ لَيْسَتْ تُؤَدِّي خَرَاجَهَا قَرْيَةٌ أُخْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute