عَامِرَةٌ فَلَكَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَلَنَا خُمُسٌ. قَالَ الرَّجُلُ: أَصَبْتهَا فِي خَرِبَةٍ لَيْسَ حَوْلَهَا أَنِيسٌ، وَلَا عِنْدَهَا عُمْرَانُ، فَخُذْ الْخُمُسَ، قَالَ: قَدْ جَعَلْته لَك.
وَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلٌ أَسْوَدُ، وَمَعَهُ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنِّي أَغْرِسُ غَرْسًا أَسْوَدَ، وَهَذِهِ سَوْدَاءُ عَلَى مَا تَرَى، فَقَدْ أَتَتْنِي بِوَلَدٍ أَحْمَرَ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا خُنْته، وَإِنَّهُ لَوَلَدُهُ. فَبَقِيَ عُمَرُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لِلْأَسْوَدِ: إنْ سَأَلْتُك عَنْ شَيْءٍ أَتَصْدُقُنِي؟ قَالَ: أَجَلْ وَاَللَّهِ، قَالَ: هَلْ وَاقَعْت امْرَأَتَك وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ، قَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ، إنَّ النُّطْفَةَ إذًا خُلِطَتْ بِالدَّمِ فَخَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا خَلْقًا كَانَ أَحْمَرَ، فَلَا تُنْكِرْ وَلَدَك، فَأَنْتَ جَنَيْت عَلَى نَفْسِك.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِامْرَأَةٍ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِشَابٍّ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَكَانَتْ تَهْوَاهُ، فَلَمَّا لَمْ يُسَاعِدْهَا احْتَالَتْ عَلَيْهِ، فَأَخَذَتْ بَيْضَةً فَأَلْقَتْ صُفَارَهَا، وَصَبَّتْ الْبَيَاضَ عَلَى ثَوْبِهَا وَبَيْنَ فَخْذَيْهَا، ثُمَّ جَاءَتْ إلَى عُمَرَ صَارِخَةً، فَقَالَتْ: هَذَا الرَّجُلُ غَلَبَنِي عَلَى نَفْسِي، وَفَضَحَنِي فِي أَهْلِي، وَهَذَا أَثَرُ فِعَالِهِ. فَسَأَلَ عُمَرُ النِّسَاءَ فَقُلْنَ لَهُ: إنَّ بِبَدَنِهَا وَثَوْبِهَا أَثَرَ الْمَنِيِّ. فَهَمَّ بِعُقُوبَةِ الشَّابِّ فَجَعَلَ يَسْتَغِيثُ، وَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَثَبَّتْ فِي أَمْرِي، فَوَاَللَّهِ مَا أَتَيْت فَاحِشَةً وَمَا هَمَمْت بِهَا، فَلَقَدْ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي فَاعْتَصَمْت، فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا تَرَى فِي أَمْرِهِمَا، فَنَظَرَ عَلِيٌّ إلَى مَا عَلَى الثَّوْبِ. ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ حَارٍّ شَدِيدِ الْغَلَيَانِ، فَصَبَّ عَلَى الثَّوْبِ فَجَمَدَ ذَلِكَ الْبَيَاضُ، ثُمَّ أَخَذَهُ وَاشْتَمَّهُ وَذَاقَهُ، فَعَرَفَ طَعْمَ الْبَيْضِ وَزَجَرَ الْمَرْأَةَ، فَاعْتَرَفَتْ.
قُلْت: وَيُشْبِهُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا عِنِّينٌ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَإِنَّهُ يُخْلَى مَعَهَا فِي بَيْتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: أَخْرِجْ مَاءَك عَلَى شَيْءٍ، فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنِيٍّ جُعِلَ عَلَى النَّارِ، فَإِنْ ذَابَ فَهُوَ مَنِيٌّ، وَبَطَلَ قَوْلُهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَهَذَا حُكْمٌ بِالْأَمَارَاتِ الظَّاهِرَةِ، فَإِنَّ الْمَنِيَّ إذَا جُعِلَ عَلَى النَّارِ ذَابَ وَاضْمَحَلَّ، وَإِنْ كَانَ بَيَاضَ بَيْضٍ تَجَمَّعَ وَيَبِسَ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَعْجِزُ عَنْ إخْرَاجِ مَائِي صَحَّ قَوْلُهَا.
وَيُشْبِهُ هَذَا: مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ: أَنَّ زَوْجَيْنِ تَرَافَعَا إلَيْهِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنَّ الْآخَرَ عِذْيَوْطٌ يَغُوطُ عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَتَنَاكَرَا، فَأَمَرَ أَنْ يُطْعَمَ أَحَدُهُمَا تِينًا، وَالْآخَرُ قِثَّاءً، فَعَلِمَ صَاحِبَ الْعَيْبِ بِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute