يتأثروا فقط بالفلاسفة في نظريتهم في الخلق وقولهم بالهباء، والعقل الأول أو العقل الفعال. . بل إنهم تأثروا أيضًا بما قاله النصارى في عيسى، ولا شك أن نظرية النصرانية في المسيح متأثرة بقول الفلاسفة أيضًا في العقل الفعال. ولقد استطاع المتصوفة نقل هذه النظرية بالرغم من غموضها الفلسفي، وصعوبة التدليل عليها بدليل منطقي يقبله العقل. وبمجافاة هذه النظرية عن عقيدة الإسلام الواضحة السهلة، أقول بالرغم من كل ذلك فإن المتصوفة استطاعوا أن يجعلوا هذه العقيدة هي عقيدة العوام والكثرة من المسلمين وذلك بصياغتها لعبارات سهلة، وفي شعر سلس يجري على الألسنة سريعًا كقولهم مثلًا:(لولاك ما خلقت الأفلاك) ! ! . . وكنت مرة أخطب في الحرم النبوي في نحو سنة ١٣٨١هـ ـ الموافقة ١٩٦٠م تقريبًا مبينًا العقيدة الواجبة في الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقام إلي أحد الحجاج من كبار السن وقال لي: أليس يقول الله تعالى (لولاك ما خلقت الأفلاك) فقلت: له ليست هذه بآية من القرآن، ولا بحديث أيضًا واعتقادها شرك بالله! ! فانظر كيف جرى هذا المعتقد على ألسنة الناس بكلام مسجوع يظنه العامي قرآنًا وما هو بقرآن.
فكيف إذا كان شعرًا من أمثال شعر البوصيري الذي سارت به الركبان كقوله:
وإن من جودك الدنيا وضرتها ** ومن علومك علم اللوح والقلم
وقوله:
وكل آي أتى الرسل الكرام بها ** فإنما اتصلت من نوره بهم
وهذا البيت يعبر عن معتقد الصوفية في أن علم الرسل كله من الرسول محمد مأخوذ من ذاته الأولى قبل أن تخلق ذاته الترابية كما يقولون. والبيت الأول يجعل الدنيا والآخرة نفحة من نفحات الرسول، وما سطره القلم ووعاه اللوح المحفوظ جزء وبعض من علوم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وكذلك وصفوا مثل هذه العقيدة في أذكار تقرأ صباحًا ومساءً لا أقول عشرات المرات بل يوجبون قراءتها أحيانًا على مريديهم آلاف المرات؛ نحو قولهم في