فإني ذلك الكل والكل مشهدي** أنا المتجلي في حقيقته لا هو
" (ص٣١) ويشرح الجيلي هذا المعنى المجمل تفصيليًا في الباب الستين من كتابه فيقول بالنص:
الباب الملفى ستين: في الإنسان الكامل وأنه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه مقابل للحق والخلق.
" اعلم حفظك الله أن الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره، وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين، ثم له تنوع في ملابس ويظهر في كنائس (الكنيسة مكان العبادة عند النصارى. والمعنى المشار إليه هنا أنه يوصف بالشيء ونقيضه كما قال فريد الدين العطار: وما الكلب والخنزير إلهنا ** وما الله إلا راهب في كنيسة.
فيسمى به باعتبار لباس، ولا يسمى به باعتبار لباس آخر، فاسمه الأصلي الذي هو له محمد، وكنيته أبو القاسم، ووصفه عبد الله، ولقبه شمس الدين، ثم له باعتبار ملابس أخرى أسام، وله في كل زمان اسم ما يليق بلباسه في ذلك الزمان، فقد اجتمعت به ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في صورة شيخي الشيخ شرف الدين اسماعيل الجبرتي، ولست أعلم أنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكنت أعلم أنه الشيخ، وهذا من جملة مشاهد شاهدته فيها بزبيد سنة ست وتسعين وسبعمائة وسر هذا الأمر تمكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من التصور بكل صورة، فالأديب إذا رآه في الصورة المحمدية التي كان عليها في حياته فإنه يسميه باسمه، وإذا رآه في صورة ما من الصور وعلم أنه محمد فلا يسميه إلا باسم تلك الصورة، ثم لا يوقع ذلك الاسم الأعلى الحقيقة المحمدية.
ألا تراه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما ظهر في صورة الشبلي ـ رضي الله ـ عنه قال الشبلي لتلميذه أشهد أني رسول الله وكان التلميذ صاحب كشف فعرفه، فقال: أشهد أنك رسول الله، وهذا أمر غير منكور وهو كما يرى النائم فلان في صورة فلان. وأقل مراتب الكشف أن يسوغ به في اليقظة ما يسوغ به اليقظة ما يسوغ به في النوم، ولكن بين النوم والكشف فرقًا وهو أن الصورة التي يرى فيها محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في النوم لا يوقع اسمها