فالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة مظاهرها في عالم الأكوان، فالرطوبة مظهر الحياة، والبرودة مظهر العلم، والحرارة مظهر الإرادة، واليبوسة مظهر القدرة. وحقيقة هذه المظاهر ذات الموصوف بها سبحانه وتعالى. . فعبدت هذه الطبائع لهذا السر فمنهم من علم ومنهم من جهل العالم سابق، والجاهل لاحق فهم عابدون للحق من حيث الصفات، ويؤول أمرهم إلى السعادة كما آل أمر من قبلهم إليها بظهور الحقائق التي بني أمرهم عليها " (ص١٢٣-١٢٤) .
وهكذا يقرر الجيلي أن الفلاسفة الطبائعيين الذين قالوا برجوع الطبيعة إلى العناصر الأربعة هم عابدون لله شاؤوا أم أبوا، علموا أم جهلوا، وأن أمرهم إلى السعادة الأبدية. ويستدل لهذا الكفر الشنيع أيضًا بالقرآن فيقول: " والدليل من القرآن أن الله قال في الأحزاب المختلفين {كل حزب بما لديهم فرحون}[المؤمنون: ٥٣] . فيقول:" إن فرحهم هذا في الدنيا والآخرة، فكل حزب يفرح بما عنده في الدنيا، ويفرح به أيضًا في الآخرة عندما يطلع الجميع أنه لا ثمة إلا الله وأنهم جميعًا مظاهر للذات الإلهية، وليسوا شيئًا خارجًا عنها ".
وهكذا يستخدم القرآن أيضًا في هذا الكفر والباطل الذي لم تعرف البشرية له مثيلًا في كل تاريخها فقد ارتكز في الفطرة أن هناك حقًا وباطلًا، هدى وضلالًا، نورًا وظلامًا، كذبًا وصدقًا، وإيمانًا. .، ولكن عند هؤلاء الصوفية كل هذا شيء واحد وحق واحد اختلفت مظاهره ولم تختلف حقيقته فالجنة والنار كلاهما نعيم، وإبليس وجبريل كلاهما عابد، بل معبود، بل شيء تعددت صفاته بتعدد موجوداته. .
ويستطرد الجيلي في شرح كفره وفجوره فيقول:
" وأما الثنوية فإنهم عبدوه من حيث نفسه تعالى، لأنه تعالى جمع الأضداد بنفسه، فشمل المراتب الحقية والمراتب الخلقية، وظهر في الوصفين بالحكمين، وظهر في الدارين بالنعتين، فما كان منسوبًا إلى الحقيقة الحقية فهو الظاهر في الأنوار وما كان منسوبًا إلى الحقيقة الخلقية فهو عبارة عن الظلمة، فعبدوا النور والظلمة لهذا السر الإلهي الجامع للوصفين والضدين والاعتبارين والحكمين