وهم مخاطبون بغلبة الظن ولو أنهم وفوا النظر معهم حقه لسلموا لهم حالهم كما يسلم الشافعي للحنفي حكمه ولا ينقض حكم من حكم به من الحكام. ومما اعتذروا به قولهم لو صدقت القوم في كل ما يدعونه من نحو ذلل لدخل الخلل في الشريعة لعدم العصمة فيهم فلذلك سددنا الباب وقلنا: إن الصادق من هؤلاء لا يضره سدنا هذا الباب، قال الشيخ محيي الدين ونعم ما فعلوه ونحن نسلم لهم ذلك ونصوبهم فيه ونحكم لهم بالأجر التام على ذلك ولكن إذا لم يقطعوا بأن ذلك الولي مخطئ في مخالفتهم فإن قطعوا بخطئه فلا عذر لهم فإن أقل الأحوال أن ينزلوا الأولياء المذكورين منزلة أهل الكتاب لا يصدقونهم ولا يكذبونهم انتهى (اليواقيت والجواهر ص٩٠ ج٢) . .
وهذا الاعتذار والجواب عن تكفير أهل السنة لهؤلاء في غاية الجهالة أيضًا لأن ما أتى به المتصوفة مما يسمونه كشفًا ليس من الخلاف في الرأي، ولا الخلاف الفرعي، بل هو مصادم لأحكام الإسلام ومبادئ الإيمان.
فالتصديق أصلًا بأنهم يعلمون من طريق الوحي كفر لأنه يناقض ما جاء به القرآن والحديث، من أن الوحي قاصر على الأنبياء فقط وأن لا نبوة بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه من النبوة الرؤيا الصادقة فقط. . وأما سماع صوت الملك وانقشاع حجاب القلب ونزول الأوراق المكتوبة من السماء كل هذا من خصائص النبوة التي انتهت بوفاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. .
ثم ما جاء به الصوفية مما جعلوه ونسبوه إلى الكشف هو في عامته وحي إبليسي شيطاني لم يترك كفرًا في الأرض إلا نسبه إلى الدين كتبرئة إبليس من الكفر والقول بنجاة فرعون ودخوله الجنة وأن فلانًا من أهل الجنة ومن الصديقين والحال أنّ شارب الخمر زنديق، وأن فلانًا يطلع على اللوح المحفوظ، وأن فلانًا الذي يأتي (الحمارة) في الشارع ولي لله تعالى، وفلانًا القذر الذي لا يمس الماء ولا يتطهر من حدث أو جنابة ولي صالح، وفلان الذي يقول أنا الله وما في الجبة إلا الله وسبحانه ولي صالح. . إلخ.