جادة الحق، وعبادة لم يشرعها الله ـ سبحانه وتعالى ـ.
ج ـ وأبلغ من الدليلين السابقين حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن أباه شكاه إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه زوجه امرأة من أشراف العرب، ومكث يسألها كل يوم: كيف رأيت زوجك؟ فقالت: صالحًا غير أنه لم يطأ لنا فراشًا. . وذلك لخمس عشرة ليلة، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الله بن عمرو بن العاص:(بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل) ، فقال: نعم يا رسول الله. ثم قال له الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ (صم من كل شهر ثلاثة أيام) فقال: يا رسول الله! قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (خمسًا) . قال: يا رسول الله! قال: [سبعًا] . قال: يا رسول الله! قال: [تسعًا] ، ثم قال له في النهاية:(صم صيام أخي داود كان يصوم يومًا، ويفطر يومًا ولا يفر إذا لاقى)(هذا الحديث مركب من روايتين رواهما مسلم في صحيحه (٨/٤٤ ـ ٤٧ نووي) بنحوه، كما روى نحوه البخاري (٥/١٢٤ فتح)) .
وفي هذا الحديث من الفقه أن منهج الإسلام هو الاعتدال بين حاجات الإنسان كلها فيعطي الإنسان حق ربه، ولا ينسى في سبيل ذلك حق زوجه ونفسه، وعينه وقوته. ولذلك جاء في الحديث الصحيح (إن لربك عليك حقًا، ولزوجك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه)(رواه البخاري ٥/١١٤ فتح) في قصة سلمان وأبي الدرداء، وفيه أن المتكلم بهذا هو سلمان، وقد صدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلامه هذا. وفي قصة ابن عمرو الجملتان الأوليان منه مرفوعتين) .
وهنا لفظه في الحديث يجب أن نقف عندها طويلًا، وهي أن المسلم لا يجوز أن يصوم صومًا يضعفه حتى إنه ليفر من العدو، ولذلك قال الرسول لعبد الله:(فصم صيام داود كان يصوم يومًا، ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى) وهذه القوة البدنية للقاء العدو مطلوبة في الإسلام، لأن الجهاد هو من أعلى مراتب الإسلام. فالذين يميتون قواهم بالتعبد ولو كان أصله مشروعًا، ويطغى هذا على جانب آخر من العبادة فإنهم مفرطون بهذا الفعل، عاصون لله ـ تبارك وتعالى ـ من جهة أخرى.