وشوكتهم عن يد وهم صاغرون، وسواء أشاءوا أم أبوا دخلوا الإسلام بحكم غريزة المحافظة، غير أن العرب ـ الذين نظر إليهم الإيرانيون بعين الاحتقار من قديم ـ لم يستطيعوا مع غلبتهم أن يحملوا الإيرانيين على مشاركتهم طراز التفكير والعقيدة والسلفية والمنطق والآمال والمطالب الروحية، لأن التباين ـ شكلًا ومعنى ـ كان عظيمًا في العنصر وطريقة المعيشة والأوضاع الاجتماعية. وعلى ذلك فإن انتهاء الصراع بهزيمة إيران أوجد انفعالات روحية وتأثرات معنوية في الإيرانيين على شكل صراع فكري ظهر في التاريخ الأدبي والمذهبي والاجتماعي والسياسي، وأثر العرب في الإسلام، وكان التشيع وكذلك التصوف من أهم ردود الفعل التي أورثها هذا الصراع الفكري) (تاريخ تصوف در إسلام ٣ ـ ترجمة ـ) . وقد أوضح الدكتور قاسم غني هذه الفكرة وبين جوهرها بقوله:(ويجب أن نبين هنا أن رد الفعل هذا لم يأت عن عمد واختيار وإرادة على خطة مرسومة يراد بها الانتقام بل كان أكثره متأنيًا بحكم الانفعال النفسي وتحت تأثير العواطف والأحاسيس الخفية التي يعرفها علم النفس، أي أن ذلك قد حدث غالبًا دون أن يجد له الناس علة واقعية ودون أن يحللوه، ولكن ذهنهم كان مسوقًا إلى هذا العمل بهذه الطريقة)(تاريخ تصوف در إسلام ٣ ـ ترجمة) ولقد نطق إيراني معاصر ـ في صراحة وجلاء ـ بهذه الحقيقة واعترف بأن التصوف قد ظهر في إيران (في عصر تسلط على وطننا فيه عدو قوي، فلما لم يجد الإيرانيون قدرة على المخالفة والمبارزة سلكوا سبيل الهزيمة واتخذوا القوى الغيبية معتقدًا لهم وألقوا سلاحهم في ميدان تنازع البقاء. . . وعلى هذا فقد كان التصوف حينئذ ضرورة من الضرورات وليس اليوم كالأمس، ويجب ألا نحمل الأفكار الصوفية محمل الجد)(تصوف للبرفسور عباس مهرين: المقدمة ـ ترجمة ـ الواقع أن هذه المعاني متضمنة في صورة واضحة في عبارة ابن حزم الواردة في كتابه ـ الفصل ـ طبع مصر ١٣٢١م ٢/١١٥. وقد عبر عنها براون وغيره بألفاظهم) .
على أن هذا كله لا يقدح في أن التصوف قد ظهر في سائر الأقطار الإسلامية حينئذ، ولكن الواضح أيضًا أن التطور لم يخالط الزهد إلا في