للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقيدة والدين، وليس كخصومة غيره من أهل الدنيا.

رابعًا: جاء في الحكاية أن إبراهيم بن أدهم أطلق على طريقة ومنهجه الذي سلكه في تعبده أنه " الخروج من الدنيا " ولقد علمنا نتائج هذا الخروج، وهي خلع ملابسه، ولبس الصوف وترك دياره، ووطنه، والدخول في البادية، ولن نناقش الآن مدى قرب هذا المسلك أو بعده عن الرسالة التي بعث بها محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكننا سنناقش الآثار التي ترتبت على ذلك، وهي الزعم أن إبراهيم أخبره أسلم بن يزيد الجهني في الإسكندرية أنه إذا كان حقًا طالبًا لثواب الله فلا بد له من تحمل الصبر، وأنه إن فعل ذلك أورث الله قلبه نورًا يفرق به بين الحق والباطل، والناسخ والمتشابه (هكذا) ! ! وهنا تضع الحكاية الأصل الرابع في التصوف، وهو أنه بالمجاهدة والصبر يحصل النور الذي يعرف به علم الحق والباطل، والناسخ والمتشابه! ! والمعروف أن المجاهدة بالصبر مهما عظمت لا تعلم الإنسان الآيات الناسخة والمنسوخة، والمحكم والمتشابه من كلام الله ـ تبارك وتعالى ـ ولا تجعله يفرق بين حق وباطل، بل لا بد من التعلم، لأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (إنما العلم بالتعلم) (ذكره البخاري في (صحيحه ـ ١/١٧٠ من فتح الباري) معلقًا، وبين الحافظ بن حجر من وصله في شرحه عليه، وحسن إسناده، وأورده أستاذنا الألباني في (السلسلة الصحيحة ـ ٣٤٢) بأتم منه، وصححه وقال في مختصره لصحيح البخاري (١/٢٨) : " هو طرف من حديث رواه ابن خيثمة (١١٤) بسند صحيح عن أبي الدرداء موقوفًا، ورواه غيره عنه مرفوعًا، وله شاهد من حديث معاوية ") ولم يقل: إنما العلم بالصبر. وأما أن الله ـ تبارك وتعالى ـ يوفق العامل بعلمه، والقائم بتقواه إلى الهداية والعلم فنعم، وذلك بتيسير أسباب العلم الجديد فقوله تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم} [البقرة: ٢٨٢] . هي ختام أطول آية في كتاب الله، وقد نزلت بشأن الدّين وكتابته والإشهاد عليه، والتعلم المقصود في الآية هو هذا التعلم الذي أنزله الله على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. ويستحيل شرعًا وعقلًا أن يبلغ المسلم علم شيء بالصبر أو

<<  <   >  >>