الصيام مثلًا دون بذل السبب الموصل إلى هذا العلم. فالعلم الشرعي بالتعلم، والعلم الدنيوي أيضًا بالتعلم، وليس شيء من ذلك يورث بالصبر والمجاهدة.
ولا شك أن الحكاية عندما دعت إلى هذا العلم فإنما أرادت علمًا آخر، لأنها قالت على لسان أسلم بن يزيد:" وذلك أن الحكماء هم العلماء " فهو يعني طائفة أخرى لها تقاليدها وعاداتها، ومجاهداتها المستقلة وعلمها المستقل أيضًا، وستعلم هذا بأدلته فيما يأتي إن شاء الله تعالى. ولم يعن بالطبع علماء الشريعة الذين يعلمون الكتاب والسنة، لأن علم هؤلاء لا يتأتى إلا بالدرس والنقل والكتابة والحفظ، وسؤال الله الفهم والعمل والتوفيق، وأما طريق القوم الذين عنتهم الحكاية فإنما هو المجاهدة بأسلوب خاص، وعادات خاصة، ومنهج خاص ليصل الإنسان منهم إلى علم خاص، وفهم خاص، ووجد خاص، ولا يستطيع علماء الشريعة مهما بلغ علمهم أن يصلوا إلى شيء منه. وباب هذا العلم الخاص الذي عنته الحكاية هو ما عبر عنه بقوله:" وأن العبد إذا جاد بنفسه لله، أورث قلبه الهدى والتقى، وأعطي السكينة والوقار، والعلم الراجح، والعقل الكامل، ومع ذلك يفتح له أبواب السماء فهو ينظر إلى أبوابها بقلبه كيف تفتح، وإن كان في طريق الدنيا مطروحًا "! ! .
فهذا العلم الخاص بابه السماء، وينظر أهل هذا العلم إلى فتح هذه الأبواب بقلوبهم حتى لو كانوا مطروحين في طريق الدنيا، وقبل أن نحكم على هذا العلم المزعوم بالصحة أو البطلان لا بد أن نرى نماذج منه، وهذا موعده فيما يأتي إن شاء الله.
خامسًا: الغاية التي حددتها هذه الرواية المزعومة لهذا الطريق، وهذا المنهج هو:" والله ما حملني على مفارقة أبوي، والخروج من مالي إلا حب الأثرة لله، ومع ذلك الزهد في الدنيا، والرغبة في جوار الله تعالى " وقد فسر له على حد زعمه أسلم بن يزيد (البخيل) بأنه " الذي يبخل بنفسه عن الله تعالى ".