فالأثرة لله التي جاءت في الحكاية ليست هي حب الله وإيثار مرضاته، والطمع في جنته، وخوف ناره، بل سنعلم بالنصوص والنقول من مقالات القوم أنهم يعنون بالأثرة لله (الفناء به عن كل ما سواه) وعبادته دون رجاء مثوبة، أو خوف عقوبة، وسنعلم كيف تطور هذا الفكر فيما بعد إلى أن أنتج القول بوحدة الوجود، وأن العابد هو عين المعبود! !
سادسًا: من الغرائب في الحكاية عن إبراهيم السابقة أنه قال إن أصحاب أسلم بن يزيد الجهني قالوا له: " اضربه فأوجعه، فإنا نراه غلامًا قد وفق لولاية الله ـ عز وجل ـ " وكأن إبراهيم في زعم الحكاية قد فاز بكنز لم يفز به أحد قبله، وهو ولاية الله ـ عز وجل ـ وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أنه ولي كل مؤمن. قال تعالى:{الله ولي الذين آمنوا}[البقرة: ٢٥٧] وأخبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث البخاري الصحيح أن الله تعالى يقول (من عادى لي وليًا فقد آذنته بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به. .، الحديث) . فبين الله ـ تبارك وتعالى ـ طريق ولايته، وهي أداء الفرائض ثم الاستزادة من النوافل، ولم يذكر ـ تبارك وتعالى ـ أن الولاية تأتي بهاتف من قربوس السرج، ثم بلقاء مع داود في البادية وتعليم للاسم الأعظم. وسنعلم في جولتنا القادمة في الفكر الصوفي أن الولاية ستصبح قاصرة على أناس مخصوصين، لهم منهج مخصوص وطريق مخصوص، وأن هذه الولاية سيجزم بها جزمًا، وسيدعيها من يدعيها بكل إصرار وتشبث! ! .
سابعًا: جاء في الحكاية أن أسلم بن يزيد الجهني نصح إبراهيم قائلًا: " يا غلام أما أنك ستصحب الأخيار، فكن لهم أرضًا يطئون عليك، وإن ضربوك وشتموك، وطردوك وأسمعوك القبيح " ولا نعلم أن صحبة الأخيار تكون كذلك، بل الأخيار إذا صحبتهم أكرموك وسامحوك، وعلموك وقربوك وغفروا إساءتك، وسيعلم القارئ السر وراء هذا