يصرف من شئون الكون، ويدبر من أقداره وغيوبه الخفية! ! ويجرؤ الشاب مرة فيسأل خائفًا مرتعدًا: وماذا يفعل الله؟ ! ويهدر الشيخ غضبًا، ويزمجر حنقًا، فيلوذ الشاب بالرعب الصامت، وقد استشعر من سؤاله، وغضب الشيخ، أنه لطخ لسانه بجريمة لم تكتب لها مغفرة! ! ولم لا؟ والشيخ هذا كبير جليل الشأن والخطر، وما كان يستطيع الشاب أبدًا أن يفهم أن مثل هذا الخبر الأشيب ـ الذي يسائل عنه الموت ـ يرضى بالكفر، أو يتهوك مع الضلال والكذب. فصدق الشاب شيخه وكذب ما كان يتلو قبل من آيات الله {ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه}[يونس: ٣] . ثم يقرأ الشاب في الكتب التي يدرسها: أن الصوفي فلانًا غسلته الملائكة، وأن فلانًا كان يصلي كل أوقاته في الكعبة، في حين كان يسكن جبل قاف، أو جزائر واق الواق! ! وأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مد يده من القبر وسلم على الرفاعي! ! وأن فلانًا عذبته الملائكة، لأنه حفظ القرآن والسنة وعمل بما فيهما، ولكنه لم يحفظ كتاب الجوهرة في التوحيد! ! ! وأن مذهبنا في الفقه هو الحق وحده، لأنه أحاديث حذفت أسانيدها! ! ويصدق الشاب بكل هذا، ويؤمن، وما كان يمكن إلا أن يفعل هذا.
إذ قال في نفسه: لو لم تكن هذه الكتب حقًا، ما درست في الأزهر، ولا درسها هؤلاء الهرمون من الأحبار ولا أخرجتها المطبعة! ! وهل كان يمكن أن يسأل نفسه مثلًا مثل هذا السؤال: أين من الحق البين من كتاب الله، هذا الباطل العربيد في هذه الكتب؟ ! لا، فلقد جيء به إلى طنطا ليتفقه في الدين على هؤلاء الشيوخ، وهاهو فقه الدين يسمعه من الشيوخ، ويقرؤه في الكتب، وحسبه هذا! !
وتموج طنطا بالوفود، وتعج بالآمين بين الطاغوت الأكبر من كل حدب، ويجلس الشاب في حلقة يذكر فيها الصوفية اسم الله بخنات الأنوف، ورجات الأرداف ووثنية الدفوف، وثمة يسمع منشد القوم يصيح راقصًا:" ولي صنم في الدير أعبد ذاته " فتتعالى أصوات الدراويش طروبة الصيحات: " إيوه كده اكفر، اكفر يا مربي " ويرى الشاب على وجوه القوم فرحًا وثنيًا راقص الإثم