بما سمعوا من المنشد الكافر، فيسأل شيخنا ممن وفدوا من أهل قريته: يا سيدي الشيخ، ما ذلك الصنم المعبود؟ ! فيزم الشيخ شفتيه، ثم يجود على الشاب الواله الحيرة بقوله:" انته لسه صغير "! ! ويسكت الشاب قليلًا، ولكن الكفر يضج في النعيق، فيسمع المنشد يقيء " سلكت طريق الدير في الأبدية "" وما الكلب والخنزير إلا إلهنا " ويطوي الشاب نفسه على فزع وعجب يسائل الذهول: ما الكلب؟ ما الخنزير؟ ما الدير وأنى للذهول بأن يجيب؟ ! ولقد خشي أن يسأل أحد الشيوخ ما دام قد قيل له:" انته لسه صغير " ثم إنه رأى بعض شيوخه الكبار يطوفون بهذه الحمآت، يشربون " القرفة " ويهنئون الأبدال والأنجاب والأوتاد بمولد القطب الغوث سيدهم السيد البدوي! ! !
وتكفن دورات الفلك من عمر الشاب سنوات، فيصبح طالبًا في كلية أصول الدين فيدرس أوسع كتب التوحيد ـ هكذا تسمى ـ فيعي منها كل شيء إلا حقيقة التوحيد، بل ما زادته دراستها إلا قلقًا حزينًا، وحيرة مسكينة. ويجلس الشاب ذات يوم هو وصديق من أصدقائه مع شيخ صوفي أمي. فيسأله عن معاني بعض تهاويل ابن عطاء السكندري " إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية، وإرادتك الأسباب، مع إقامة الله إياك في التجريد، انحطاط على الهمة العلية ". ويحار الطالبان، ولا يدريان بم يجيبان هذا الأمي عن هذه الحكم المزعومة ـ وقد عرفا بعد أنها تهدف إلى تقرير أسطورة رفع التكليف ـ فتمتلئ نفساهما بالغم المهموم، إذ رسبا في امتحان عقده لهما أمي صوفي؟ !
ويدور الزمن فيصبح الشاب طالبًا في شعبة التوحيد والفلسفة، ويدرس فيها التصوف، ويقرأ في كتاب صنفه أستاذ من أساتذته، رأي ابن تيمية في ابن عربي. فتسكن نفس الشاب قليلًا إلى ابن تيمية، وكان قبل يراه ضالًا مضلًا. فهذا البهتان الأثيم نعته الدردير! !
وكانت عنده لابن تيمية كتب، بيد أنه كان يرهب مطالعتها، خشية أن يرتاب في الأولياء، كما قال له بعض شيوخه من قبل! !