وخشية أن يضل ضلال ابن تيمية. . ويقرأ الشاب، ويستغرق في القراءة، ثم ينعم القدر على الشاب يصبح مشرق يهتك عنه حجب هذا الليل، فيقر به سراه المضني عند جماعة أنصار السنة المحمدية، فكأنما لقي بها الواحدة الندية السلسبيل بعد دوي ملتهب الهجير. لقد دعته الجماعة على لسان منشئها فضيلة والدنا الروحي الشيخ محمد حامد الفقي إلى تدبر الحق والهدى من الكتاب والسنة، فيقرأ الشباب ويتدبر ما يقرأ وثمة رويدًا رويدًا ترتفع الغشاوة عن عينيه، فيبهره النور السماوي، وعلى أشعته الهادية يرى الحقائق، ويبصر القيم. يرى النور نورًا والإيمان إيمانًا، والحق حقًا، والضلال ضلالًا، وكان قبل ـ بسحر التصوف ـ يرى في الشيء عين نقيضه، فيؤمن بالشرك توحيدًا، وبالكفر إيمانًا، وبالمادية الصماء من الوثنية: روحانية عليا، ويدرك الشاب ـ وهو لا يكاد يصدق ـ أن التصوف دين الوثنية والمجوسية، دين ينسب الربوبية والإلهية إلى كل زنديق، وكل مجرم، وكل جريمة! ! دين يرى في إبليس، وفرعون، وعجل السامري، وأوثان الجاهلي، يرى في كل هؤلاء الذين لعنتهم كتب الله، بل لعنتهم حتى العقول، يرى فيهم أربابًا وآلهة تهيمن على القدر في أزله وأبده، دين يرى في كل شيء إلهًا يجب أن يعبد. وربًا يخلق ما يشاء ويختار، دين يقرر أن حقيقة التوحيد الأسمى: هي الإيمان بأن الله ـ سبحانه ـ عين كل شيء. دين لا تجد فيه فيصلًا بين القيم، ولا بين حقائق الأشياء، ولا بين الضد وضده، ولا بين النقيض ونقيضه. دين يقول عن الجيف ـ يتأذى منها النتن، وعن الميكروبات تفتك سمومها بالبشرية ـ إنها هي الإلها، وسبحان ربنا! ! دين يقول عن القاتل، عن السارق، عن الباغي، عن كل وغد تسفل في دناءته، عن كل طاغية بغى في تجبره. يقول عن كل هؤلاء: إنهم عينات الذات الإلهية! ! فأي إله هذا الذي يقتل، ويبغي، ويفسد في الأرض؟ أي إله هذا الذي يدب تحت جنح الليل تتلظى في عينيه، وعلى يديه الإثم