" هذا كلام من لم يلبسه حقائق وحدة التفريد في كمال حق التوحيد، فيكون مستغنيًا بما ألبسه عن كون ما سأله. . وسؤاله لذلك يدل على أنه مقارب لما هناك، وليس المقارب للمكان بكائن فيه على الإمكان والاستمكان. . وقوله: ألبسني وزيني، وارفعني يدل على حقيقة ما وجده مما هذا مقداره ومكانه، ولم ينل الحظوة إلا بقدر ما استبانه " ا. هـ (اللمع ص٤٦١) .
وبالطبع لن يستطيع أحد أن يفهم شرح الجنيد لكلام صاحبه أبي يزيد إلا من فهم عقيدة القوم، وعرف محتواها على الحقيقة. وإليك شرح كلامه حتى كأنك تحسه وتراه إن شاء الله.
أقول: حكم الجنيد على صاحبه أبي يزيد بأنه لم يصل بعد إلى كمال حقيقة التفريد (ومعنى التفريد أن يعتقد الصوفي أنه ما تم في الحياة إلا فرد واحد، هو الله، تعددت وجوداته بحسب ما يظهر للناس، ولكن الحق واحد! ! ولذلك قال عن أبي يزيد:" هذا كلام من لم يُلبسْهُ (أي الله تعالى) حقائق وحدة التفريد "، أي لم ير غير الله غيرًا كما مر من كلام الحلاج. . ولذلك قال عنه أيضًا بأنه لو رأى التفريد على الحقيقة لكان مستغنيًا بما ألبسه عن كون ما سأله، فقد سأل البسطامي ربه أن يلبسه أنانيته، ويرفعه إلى أحديته. . ولو كان متحققًا من القول بوحدة الوجود لم يقل ذلك، ولم يطلبه، لأنه سيعلم يقينًا أنه هو الله. . ولذلك رآه الجنيد بسؤاله هذا مقاربًا للحقيقة الصوفية النهائية، فقال:" وسؤاله لذلك يدل على أنه مقارب لما هناك. . " ثم شرح هذا القول بقوله:
" وقوله ألبسني وزيني وارفعني: يدل على حقيقة ما وجده مما هذا مقداره ومكانه، ولم ينل الحظوة إلا بقدر ما استبانه " أي فهذا مكان أبي يزيد في فهم الحقيقة الصوفية، ولم يصل بعد إلى فهمنا على الحقيقة.
فانظر أيها الأخ المنصف أين كان الجنيد سيد الطائفة الصوفية من قضية التوحيد في الإسلام. .
ولم يكن حكم الجنيد على أبي يزيد البسطامي في قوله السابق منفردًا به، بل حكم بهذا الحكم صاحبها الشبلي الذي كان أوحد القوم حالًا كما قالوا.