وروى صاحب اللمع الحكاية الآتية (ص٧٤١) : " حكي عن الشبلي ـ رحمه الله ـ. . أنه سئل عن أبي يزيد البسطامي ـ رحمه الله ـ. وعرض عليه ما حكي عنه مما ذكرناه وغير ذلك، فقال الشبلي ـ رحمه الله ـ: لو كان أبو يزيد ـ رحمه الله ـ ها هنا لأسلم على يد بعض صبياننا. .، وقال: لو أن أحدًا يفهم ما أقول لشددت الزنانير ".
فانظر كيف حكم الشبلي على أبي يزيد بأنه لا يصلح تلميذًا له، بل لو كان موجودًا معه الآن في وقته لأسلم على يد بعض صبيان الشبلي. . وأنا أجزم الآن أنه يقصد بهذا الإسلام أن يعلمه أنه لا موجود إلا الله. . ولذلك قال بعد ذلك:" لو أن أحدًا يفهم ما أقول لشدد الزنانير " ومعنى شد الزنار أن يلبس لباس أهل الذمة من اليهود والنصارى والمجوس، لأنه كان يعتقد ـ بما لبس على الناس ـ أن أحدًا من معاصريه لا يفهم ما يشير إليه بهذه الأقوال. . وهذا حق، لأن القوم ليسوا على الناس بما ادعوه من الصلاح والتقوى ومحبة الله ورسوله. وقد مر بك أن هذا الشبلي كان سمينًا بدينًا، ومع ذلك كان يزعم أنه يحمي المرود ويكتحل به حتى لا ينام.
ومما يدلك على ما جزمت به سالفًا من تفسير قول الشبلي الآنف ما فسر به أيضًا الجنيد حال أبي يزيد البسطامي قائلًا:
" إن أبا يزيد ـ رحمه الله ـ. . مع عظم حاله، وعلو إشارته لم يخرج من حال البداية، ولم أسمع منه كلمة تدل على كمال النهاية "(ص٤٧٩) .
فانظر وتيقن الآن معتقد القوم الذين يشهدون على البسطامي بأنه لم يجاوز حال البداية، وهو الذي قال الأقوال السالفة. . ولا غرو في ذلك ما دام الشبلي يقول عن نفسه لأبي عبد الله بن جابان بعد أن زاره، وأراد أن يخرج من عنده هو وبعض زملائه:" مروا أنا معكم حيثما كنتم، أنتم في رعايتي وفي كلاءتي "(ص٤٧٨) .
فالذي وصل إلى هذه النهاية لا شك أنه يحكم على كلام البسطامي أن ما جاوز البداية. .
وقد يظن ظان أن الجنيد كان دون الشبلي في هذه الأقوال، وهذا من