الجهل والغفلة، وعدم تتبع القضية الصوفية، والغوص على مغاليقها وأسرارها، والأمر على غير ذلك، فالجنيد كان أسبق أولئك القوم إلى العقيدة الصوفية، وأعلم الناس بها، ويدلك على هذا أن الشبلي يسأله يومًا، فيقول له: يا أبا القاسم ما تقول فيمن كان الله حسبه قولًا وحقيقة؟ فقال الجنيد ـ رحمه الله ـ. . يا أبا بكر (وهي كنية الشبلي) بينك وبين أكابر الناس في سؤالك هذا عشرة آلاف مقام، أوله محو ما بدأت به (اللمع ص٤٨٧) .
فانظر كيف سأل الجنيد عن حقيقة من حقائق الإسلام، وهي أن يكون الله حسب المرء في اعتقاده وقوله وكل شؤونه، أي أن يعتقد المسلم أن الله كافيه في كل ما يهمه ويشغله، وهذا من كمال التوحيد كما قال تعالى:{أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه}[الزمر: ٣٦] ، وقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما قيل له: إن قريشًا عزمت أن ترجع لتستأصل شأفة المسلمين بعد هزيمة أحد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (حسبنا الله ونعم الوكيل) أي الله كافينا ومنجينا سبحانه وتعالى. انظر كيف حكم الجنيد على هذه الحقيقة الشرعية بأن سؤال الشبلي عنها يدل على أن بينه وبين أكابر الناس أي (كبراء الصوفية) عشرة آلاف مقام، أول هذه المقامات محو هذه الحقيقة الشرعية التي بدأ الشبلي بالسؤال عنها. .