ـ نشأ هذا الرجل في الأندلس، واستقر به المقام في الشام، ورمي بالكفر والزندقة والإلحاد والكذب، ولكن عقيدته ومذهبه وجدت المشيعين والمروجين الذين استطاعوا أن يرفعوه ـ كما رفع نفسه ـ إلى مرتبة الولاية، بل إلى ختم الولاية ومرتبة المشيخة الكبرى وإحياء الدين.
وبالرغم من أن ابن عربي هذا قد زعم أنه نقل علمه وكتبه عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مباشرة، وكتب عن اللوح المحفوظ بلا وساطة، وصاغ عقيدة وحدة الوجود بكل جرأة وبلا مواربة، بل بقليل من التدليس والمراوغة، واستطاع أن يحرف آيات القرآن فيزعم أن قوم هود الكافرين كانوا على الصراط المستقيم، وأن فرعون كان مؤمنًا كامل الإيمان، وأن قوم نوح كانوا مؤمنين، فجازاهم الله بأن أغرقهم في بحار الوحدة، وأدخلهم نار الحب الإلهي ليتنعموا فيها، وأن هارون أخطأ لأنه نهى بني إسرائيل عن عبادة العجل، وما كان العجل إلا المعبود الحق، أو صورة من صور المعبود الحق، وأن قوم نوح أصابوا في عدم تركهم ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا لأنها مظاهر للإله الواحد، وأن النار عذوبة لا عذاب، وأنه ما من إنسان إلا مرحوم مرضي عنه، وأن الله لا يعلم شيئًا قبل وجوده، لأن وجود الشيء هو وجود العلم، بل وجود كل شيء هو ترجمة لوجود الله (تعالى الله عن ذلك) أقول: بالرغم من أن ابن عربي قال هذا الكلام كله، بل هذا جزء يسير جدًا مما قاله، فإنه أدعى بأن كل ذلك قد نقله بلا زيادة ولا نقصان عن الرسول الذي أمره بتبليغ ذلك للناس، وبالرغم أيضًا من كل ذلك فقد وجد هذا الرجل من المروجين والأتباع ما لا يقع تحت الحصر منذ ظهوره إلى زماننا هذا، ومن أمة الإسلام الذين يشهدون في كل يوم مرات كثيرة بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا من أعجب العجب.
وهاك الآن نقولًا صوفية من كتبه تدلك على هذه العقيدة.
١ ـ قال في مطلع كتابه " فصوص الحكم " وهو الكتاب الذي جعله خاتمة لأعماله جامعًا لعقيدته: " أما بعد فإني رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مبشرة أريتها في العشر الآخر من المحرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده